الإثنين 2017/05/08

آخر تحديث: 00:33 (بيروت)

من يُنقذ الاقتصاد؟

الإثنين 2017/05/08
increase حجم الخط decrease

هناك تهديد حقيقي يُحدق بلبنان. ليس خطر الارهاب ولا تزايد أعداد اللاجئين السوريين ولا التوتر السياسي-المذهبي. بل هو تردي الوضع الاقتصادي، بحسب مقال نشرته الصحافية والباحثة الفرنسية روزالي بيرتير. المقال، وهو قد يكون أبرز ما نُشر عن الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الماضية، يُحدد مواضع الخلل الأساسية، وجُلها يرتبط بنتائج حكم طبقة سياسية مُتغوّلة ابتُلينا بها. واللافت أن بيرتير ليست وحيدة في القلق على الاقتصاد اللبناني، بل معها أيضاً مسؤولون دوليون زاروا البلاد، وأيضاً مقالة في مجلة ”ذي اكونوميست“ شككت في احتمال استفادة لبنان من ثروة النفط والغاز نتيجة طبقته السياسية الفاشلة.

بالعودة الى المقال الأول: مؤشران أساسيان يدفعان الى القلق. أولاً، انخفاض احتياطي الدولار في البنك المركزي للمرة الأولى منذ 11 عاماً بين أيار (مايو) عام 2015 والشهر ذاته من عام 2016. عندها أجرى المصرف هندسة مالية لمعالجة الانخفاض، وانقاذ الليرة، مقابل اغراء المصارف بأرباح خيالية وصلت الى 40%، وتُقدر قيمتها بـ5 مليارات دولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كما كتبت بيرتير. حقيقة أن المصرف المركزي لجأ الى هذا الإغراء تُضعف الثقة بالاقتصاد اللبناني. 

المؤشر الثاني الذي ذكرته بيرتير، هو اختلال التوازن بين نمو الاقتصاد اللبناني بنسب قريبة للصفر، والصعود الكبير والمتواصل للدين العام. بيد أن الدين العام يُقاس نسبة الى الناتج المحلي. وإذا استمر النمو بنسبته الصفرية الحالية، فإن نسبة الدين العام من الناتج المحلي سترتفع من 144% عام 2016 إلى 160% عام 2021. عندها، تُقدر الكاتبة ارتفاع حصة خدمة الدين من الموازنة من الثلث حالياً الى 60%. 

وهذه ليست الصورة كاملة، إذ أن نمو الدين العام في لبنان يعتاش على ارتفاع في الأرصدة المصرفية. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن تغذية نمو الدين العام يحتاج الى ارتفاع بنسبة 6-7% في الأرصدة، وهو ما يُعادل 6,2 ألى 7,2 مليار دولار.

كيف يُحصّل لبنان هذه المليارات سنوياً بلا نمو وبأزمات سياسية متواصلة وفساد مستشرٍ وعلاقات متردية مع محيطه العربي؟

كان الاقتصاد اللبناني يطفو طوال الوقت على صُدف مفيدة أو معادلة سحرية لم تعد مؤمّنة، من هجرة الصناعيين المصريين والسوريين الهاربين من هجرة الأموال الفلسطينية إلى تأميم الأنظمة الاشتراكية في خمسينات القرن الماضي، واستقطاب العراقيين بعد الغزو الاميركي عام 2003.

بيرتير تُرفق مقالها بأرقام مُثيرة عن هدر هذه الطبقة السياسية وتغولها، سيما في قطاع الكهرباء. تُشير الى تحويل الدولة 1,4 مليار دولار أميركي لتغطية عجز شركة كهرباء لبنان، فيما يُحقق أصحاب المولدات غير الشرعية عائدات بقيمة 1,7 مليار دولار. ولهؤلاء الأخيرين ارتباطات بالزعامات المحلية.

فاتت الباحثة الفرنسية المقيمة في لبنان، قائمة الفرص الضائعة، وهي هدر أيضاً. وهذه تشمل مثلاً فشل وزارة الاتصالات وأوجيه لبنان في تحسين سرعة الانترنت، واستقطاب الاستثمارات الهائلة المرتبطة بهذا القطاع. لماذا لدينا سُرعة انترنت تخطتها بعض الدول العربية منذ 20عاماً؟ والحكومات المتعاقبة تعلم بأن هذه بنى تحتية كفيلة بإنعاش الاقتصاد اللبناني، وتوظيف قطاعات من الشباب.

أما قطاع النفط اللبناني، وهو موضوع المقال الغربي الثاني عن الاقتصاد، يُقدر حجمه 850 مليون برميل من النفط و96 ترليون قدم مكعب من الغاز. بسعر السوق، يٌُقدر سعر هذه الكميات بـ300 مليار دولار. ولو احتسبنا نصفه كلفة للاستخراج، يبقى المبلغ كبيراً نسبة للناتج المحلي.

لكن ”ذي ايكونومست“ ترى أننا تأخرنا كثيراً في هذا الملف مقارنة بقبرص واسرائيل، والسبب طبعاً: مجموعة من الساسة الفاشلين. حتى لو استفاقت الحكومة اللبنانية اليوم وأسرعت في ملف أهملته منذ اكتشاف المخزون عام 2009، فإنها ستجد اتفاقات اقليمية محكمة، وقد تضطر للبحث عن أسواق بعيدة.

هذه الصورة السوداوية مقلقة جداً. الاقتصاد قنبلة موقوتة ستنفجر فينا وبالسياسيين أيضاً. وبما أنهم يكترثون بأنفسهم وثرواتهم ومشاريع التوريث فحسب، عليهم استيعاب أن لجمودهم ثمناً خطيراً يطالهم أيضاً في كل ذلك. 

إيقاف بلد بأسره رهن قانون انتخاب لانتخاب وريث إضافي هنا ومستزلم هناك، ثمن سخيف مقابل حجم الدمار الذي ينتظرنا جميعاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها