الجمعة 2017/05/05

آخر تحديث: 21:49 (بيروت)

ترامب وتحولات المائة الأولى

الجمعة 2017/05/05
increase حجم الخط decrease

لم يرتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنتائج إدارته في المائة يوم الأولى من عمرها، خاصة وقد جاءت تقويمات المحللين ووسائل الإعلام ناقدة ومستفزة له، فغرد على موقعه على اليوتيوب ساخرا من هذا التقليد الأميركي العريق.

اختلفت تقويمات المحللين والمعلقين السياسيين حول أداء الإدارة بعامة وأداء الرئيس بخاصة، حيث أبرزت تقديرات وتعليقات كثيرة ذلك التباين بين شعارات الحملة الانتخابية وأولوياتها والسياسة العملية وابتعادها عن الشعار الرئيس: "أميركا أولا"، الذي دغدغ مشاعر فئات اجتماعية وقوى سياسية أرهقتها السياسات الاقتصادية فتطلعت إلى التركيز على الوضع الداخلي والاهتمام بحل مشكلاتها اليومية على صعد البطالة وهجرة الوظائف والتضخم والخدمات، وانعكاس هذه السياسة، التي لم تبق من وعوده الانتخابية سوى التصدي لإيران، السلبي على شعبيته لدى ناخبيه وجمهوره.  

أثار الرئيس الأميركي هواجس ومخاوف قيادات محلية وخارجية في ضوء الانطباعات الأولية التي تشكلت خلال الحملة الانتخابية وبعدها إن لجهة شخصيته، حيث تصرف كشخص متنمر، وهذا ما عكسته تغريداته وتصريحاته ومواقفه الاستفزازية ضد الحلفاء (الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو، ألمانيا) والأصدقاء(اليابان، كوريا الجنوبية، السعودية) أو لجهة قدراته القيادية، كشخص عديم الخبرة، في السياسة الخارجية بخاصة، مع ميل إلى الاعتماد على الشعور الغريزي.

لم تكن التقويمات السلبية وليدة التصريحات النارية التي أطلقها ضد المؤسسات الأميركية (انتقد الكونغرس وأبدى احتقاره للسياسة ومبدأ فصل السلطات في النظام الأميركي ولكل ما تمثله العاصمة واشنطن من موقع ودور وقيم) وضد الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، وحدها، بل عززتها خيارات سياسية متناقضة لعل أوضحها تبنيه، خلال حملته الرئاسية، لسياستين متناقضتين: التشدّد مع إيران وتحسين العلاقات مع روسيا، وهما متحالفتان وتخوضان قتالا وحشيا ضد المعارضة السورية دعما للنظام السوري.

غير أن الصورة تغيرت اثر تعييناته لقيادات الصف الأول في إدارته (مستشار الأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر، وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، مدير السي آي إيه مايك بومبيو، وزير الخارجية ريكس تيلرسون، السفير الأميركي في الأمم المتحدة نيكي هايلي) والدور الذي بدأوا يلعبونه في السياسة الخارجية الأميركية بأخذها بعيدا عن التوجهات التي عبر عنها الرئيس الأميركي في أول خطاب له حيث قال:"إن الأيام التي كانت الولايات المتحدة تمد فيها مظلتها الدفاعية بلا مقابل، وتدفع المليارات لزيادة ثروات الأمم الأجنبية دون منافع إستراتيجية محسوبة لصالح الولايات المتحدة، قد ولَّت" وإعادتها للعمل في إطار المبادئ الرئيسة للسياسات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا أشاع جوا من الارتياح داخل الولايات المتحدة وخارجها حيث أكد هؤلاء القادة/الجنرالات في أحاديثهم الصحفية وأمام مراكز البحث والتفكير الأميركية أنهم وحدهم أصحاب القرار في واشنطن وان الرئيس يثق بهم وقد أطلق يدهم للتصرف في الملفات الساخنة بما يعيد للولايات المتحدة الأميركية هيبتها ولردعها صدقيته ويعزز حضورها الدولي. لم يستبعد الجنرال هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي، في حديثه أمام مركز دراسات استخدام القوة في الملفات الساخنة، في سوريا، بما في ذلك ضد القوات الروسية والإيرانية وحزب الله، وكوريا الشمالية، لدفع تلك الدول والقوى إلى الوراء تحقيقا للمصالح الأميركية، وهذا ما عكسته خطوات ميدانية من قصف مطار الشعيرات بصواريخ التوماهوك، إلى إلقاء أم القنابل على كهوف لـ "داعش" في أفغانستان، إلى استعراض القوة في خليج كوريا ونشر شبكة صواريخ "ثاد" على الأراضي الكورية الجنوبية، وأكده الدبلوماسي الأميركي السابق جيمس جيفري في حديثه مع جريدة الشرق الأوسط يوم 2/5/2017 حيث قال:"أعتقد أن الإدارة تريد إثارة الذعر لدى روسيا وإيران لدفعهما إلى اتخاذ سلوك أفضل". سياسة أتت اُكلها حيث بدأت لهجة موسكو المتحدية تميل إلى الهدوء والمهادنة بالإعلان عن الاستعداد للالتحاق بالتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وفق تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تعارض واضح مع بيان روسي سابق جاء فيه:"على التحالف الدولي أن ينضم إلى الموقف الروسي وليس العكس". ناهيك عن سعيها إلى مقابلة الموقف الأميركي في منتصف الطريق عبر تقديم مقترح شفهي، يتوقع أن تطرح نسخة مكتوبة منه خلال اجتماعات أستانة التي انطلقت اليوم، يتقاطع مع الموقف الأميركي حول مناطق مستقرة، حول إنشاء مناطق تخفيف التصعيد على أراضي الجمهورية العربية السورية، يتضمن إنشاء أربع مناطق تخفيف للتصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سورية.

يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة بتوزيع الأدوار بين رئيس يوحي انه مستعد للذهاب بعيدا في قراراته، وجنرالات ينطلقون من قواعد عمل إستراتيجية تقليدية، قد خيبت ظن موسكو وطهران اللتين تبنتا تقديرا قائما على حتمية تخلي ترامب عن جنرالاته والعودة إلى سياسة الانكفاء إذا ما أحس إن هذه السياسة لا تحقق المأمول منها، وانه تكفي الآن عملية مراوحة في المكان انتظارا لهذه الارتكاسة الآتية لا محالة.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب