الجمعة 2017/05/05

آخر تحديث: 00:39 (بيروت)

لفحة امبراطورية إيرانية

الجمعة 2017/05/05
increase حجم الخط decrease

من المفيد في دراسة حقبة التوسع الايراني الحالي، سيما في اتجاه العراق وسوريا ولبنان، التمعن في رجالات اصطفتهم الامبراطورية لتمثيلها في بقاع مختلفة. بيد أن الامبراطوريات تصطفي حتى من ولاياتها البعيدة رجالات تعتمدهم كأبنائها في البلاط. 

في لبنان، يكمن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في قلب هذه المنظومة، لا بل أصبح من أيقوناتها المفيدة في مختلف ”الساحات“، من اليمن الى العراق وسوريا. وأساس دوره، إلى جانب علاقاته الوثيقة بمرشد الثورة الايرانية وفريقه، إلتزامه الحديدي بولاية الفقيه سياسياً ودينياً، في العلن على الأقل. نصر الله يجيد لغة البلاط الفارسية ويتحدثها بطلاقة. وهذه سمة مهمة، لا بل أساسية، تفتح أبواباً مُوصدة في طهران.

في الحالة السورية، ما زالت الطبخة على النار، بحسب المثل الشعبي الشائع، تنتظر تبلور تنظيم عابر للمناطق يجمع الشيعة والمتشيعين السوريين تحت مظلة واحدة. عندما تستوي الطبخة الايرانية، قد يخرج سعيد الحظ الى العلن ليصير عضواً في البلاط الامبراطوري.

لكن العراق، ومنذ تشكيل الحشد الشعبي، يشهد صعوداً غير مسبوق لشخصيات جديدة، وكأن ايران جددت الطاقم القديم كله بعدما أصابته ”عفونة“ الاستقلال عنها. في مطلع ثمانينات القرن الماضي، قررت ايران توحيد المعارضة الشيعية تحت مظلة ”المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق“ بقيادة محمد باقر الحكيم، لكن سرعان ما انشق حزب الدعوة الاسلامية عن هذه المظلة. تحول المجلس حينها إلى كتلة بحد ذاتها لها أذرع أمنية وخدماتية وعسكرية (منظمة بدر). في عهدي محمد باقر وشقيقه عبد العزيز، كان آل الحكيم يُسيطرون على المجلس بقبضة حديدية وضمنه ”قوات بدر“، لكن الأخيرة انفصلت بقيادة زعيمها التاريخي هادي العامري. والانفصال الثاني جاء موازياً لتنصل عمّار عبد العزيز الحكيم من ولاية الفقيه واعتماده وثيقة حزبية متصالحة مع ”الديموقراطية“.

”بدر“، وهي أبرز الجماعات الخمينية وأكثرها نفوذاً على الإطلاق، مؤمنة بولاية الفقيه الايرانية. وهذا طبعاً دليل تفضيل الايرانيين تجزئة الساحة لإحكام السيطرة عليها، وبما يُخولها من السيطرة على بعض ”المتفلتين“ أحياناً من نفوذها، مثل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

لكن تنظيم ”داعش“ وسيطرته على الموصل منتصف عام 2014، أرغم الايرانيين على اعادة التفكير في استراتيجيتهم العراقية. من هذه الضرورة وفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، وُلد ”الحشد الشعبي“.

لكن الحشد ليس إيراني الهوى بالكامل، كما توضح دراسة جديدة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط أعدها الباحثان ريناد منصور وفالح بعد الجبار. تلعب العناصر الصدرية وتلك الموالية للمرجعية الشيعية، دوراً فيه. والانقسام الأساسي فيه يكمن بين الموالين لخامنئي، وبعضهم مدعوم من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والصدريين وأتباع المرجعية. والانقسام في الولاء، ينسحب أيضاً على دعوات دمج الحشد بالقوات العراقية، إذ ينظر الخمينيون اليه بعين الريبة، بما أن الجيوش تخلط بين جنودها، وتفرض رقابة أمنية على اتصالاتهم بالخارج، ما يُعقّد مساعي السيطرة الايرانية. كما تنقسم هذه الفصائل حيال التدخل في سوريا بين الخمينيين المؤيدين لهذا التدخل، وأتباع المرجعية والصدريين الناظرين اليها بعين الريبة.

الوجه الصاعد اليوم في العراق هو جمال جعفر محمد علي آل ابراهيم المُكنى بـ”أبو مهدي المهندس“، نائب رئيس هيئة ”الحشد الشعبي“. يحمل المهندس السمات المطلوبة لمحظيي الامبراطورية. يتحدث الفارسية بطلاقة، لا بل يتحول اسم عائلته الى ”ابراهيمي“ في ايران. كان ناشطاً في خدمة الثورة الايرانية منذ ثمانينات القرن الماضي، ودانته محكمة كويتية بالمشاركة في تفجير للحرس الثوري الايراني استهدف السفارتين الاميركية والفرنسية وأودى بحياة 5 كويتيين عام 1983، بحسب صحيفة ”نيويورك تايمز“. وبعد سقوط نظام صدام حسين، عاد الى العراق حيث تبوأ سلسلة مناصب وانتُخب في البرلمان العراقي. عام 2007، أثارت الادارة الاميركية تاريخ ”المهندس“ مع الحكومة العراقية، فغادر الى ايران.

تنقل وكالة رويترز عن مستشار للمالكي إن هذا القيادي في الحشد، وقد تجاوز الستين من عمره، زار طهران ضمن وفد حكومي-برلماني عراقي، لكنه وعندما اقتضى البروتوكول فصل الطرفين، جلس على الجانب الايراني.

واللافت أخيراً أن القناة الثالثة وشبكة "أفق سيما" الإيرانيتين بثتا الشهر الماضي فيلماً وثائقياً عن حياة المهندس بعنوان ”سلفي“. تعجب المراسل الايراني من طلاقة المهندس بالفارسية، فسأله عن اجادته اياها، فأجاب بـ”أننا نتعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن، ونتعلم اللغة الفارسية لأنها لغة الثورة“. النُطق بالفارسية مدخل للسياسة، سيما أن العراق على أبواب انتخابات محلية هذا الصيف وعامة السنة المقبل، يُتوقع مشاركة ”الحشد“ فيها.

وبما أن التلفزيون ايراني، والحديث دار باللغة الفارسية، كان المهندس صريحاً في الافصاح عن طبيعة دوره. بحسب كلامه للقناة، تربطه بقائد فرقة القدس التابع للحرس الثوري الايراني قاسم سليماني،”علاقة الجندي بقائده“، ولا مواربة في ذلك لأن ”هذا فخر لي ونعمة الهية“.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها