الأربعاء 2017/05/24

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

ترامب والوعد الفلسطيني المؤجل

الأربعاء 2017/05/24
increase حجم الخط decrease

لم تكشف زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى القدس وبيت لحم، جديداً بالنسبة لتصوره عن التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، باستثناء تكراره الحديث عن اعتزامه إعلان مبادرة سلام في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، واحتمال عقده اجتماعاً يضم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، للشروع في استئناف المفاوضات لفترة محددة، يتم خلالها مناقشة قضايا الوضع النهائي بطريقة منفصلة، للوصول إلى الصفقة الكبرى.

هكذا بدت رسائل ترامب غير مطمئنة للجانب الفلسطيني، إذ يستنتج منها تبني وجهة نظر إسرائيل بخصوص علاقة اليهود التاريخية بالمدنية المقدسة، التي ترجمت بزيارة حائط البراق (المبكى عند إسرائيل)، وهي الأولى من نوعها لرئيس أمريكية. وعلى رغم عدم تطرقه إلى وعده بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة الأمريكية إليها، فإنه لم يتحدث عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ولم يذكر أبداً في جميع تصريحاته دولة فلسطينية، كما أن مدة اللقاء قلصت من نحو ثلاث ساعات إلى 45 دقيقة، وألغيت منها الزيارة إلى كنيسة المهد بسبب اعتصام تضامني مع الأسرى الفلسطينيين. وفي ما يخص إسرائيل فإن الرئيس الأمريكي جدد تعهد بلاده بالدفاع عن القيم المشتركة، الأمريكية ـ الإسرائيلية، وضمن ذلك محاربة الإبارتهايد.

وبدوره فقد أشاد نتنياهو بالصداقة التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة الأمريكية مؤكدا أن: معا يمكننا هزيمة الإرهاب، وأن الإرهاب يجب أن يتم إدانته ومحاربته بالطريقة ذاتها سواء وقع في أوروبا أو أمريكا أو إسرائيل أو أي مكان آخر.

أما مطالب الجانب الفلسطيني من الرئيس الأمريكي، في بيت لحم، فقد تركزت على بعض المسائل التي من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، فيما يخص إتاحة المجال أمام الفلسطينيين للعمل في المنطقة ج، التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة، وإدخال تعديلات على "اتفاق باريس الاقتصادي" على نحو يجعل الفلسطينيين يحصلون على كامل حقوقهم في التحويلات الجمركية. كما أن هذه الأجواء دعت الرئيس الفلسطيني لتأكيد الثوابت الفلسطينية، المتعلقة بخيار إقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، وحل قضايا الوضع النهائي كافة على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإطلاق سراح الأسرى، مؤكدأً أن الصراع ليس مع الدين اليهودي وانما مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن احترام الأديان والرسل جزء أصيل من معتقداتنا".

وكانت الأحاديث، أو التسريبات، عن اعتزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إطلاق نوع من عملية تسوية إقليمية، بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربي، تزايدت في الآونة الأخيرة، بدفع، أو بضغط، عديد من العوامل، لعلّ أهمها يكمن في تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة العربية والدولية، وانحسار الكفاح الفلسطيني، وانشغال العالم العربي بمشاكله، سيما مع ظهور خطر أخر يتمثل بجمهورية إيران الإسلامية، والجماعات الإرهابية، ومع استعداد إسرائيلي لاقتناص هذه الفرصة السانحة، في ظل رعاية أمريكية.

بديهي أن كل شيء سيتوقف على مدى جدية الإدارة الأمريكية لتسويق مثل هذا الحل عند الطرفين، وبخاصة عند الطرف الفلسطيني الذي يبدو في أضعف حالاته، ولدى الأنظمة في العالم العربي. ومشكلة الفلسطينيين اليوم، بخلافاتهم وضعفهم وارتهاناتهم للخارج ولعملية التسوية، أنه ما عاد بإمكانهم وضع "فيتو" على أي حل سياسي، في مجال العلاقة مع إسرائيل، يجري فرضه في هذه الظروف الصعبة والمعقدة. والمعنى من ذلك فوات الفكرة القائلة بأن أي مقاربة عربية للتسوية، أو حتى للتطبيع مع إسرائيل، لا يمكن أن تمر بدون الاستجابة لحقوق الفلسطينيين، أو بدون موافقتهم، إذ هذه الفكرة لم تعد تتمتّع بمصداقية، من الناحية العملية.

على ذلك فإن الأنظمة العربية المعنية، والصديقة للولايات المتحدة، تبدو في هذه الظروف أكثر استعداداً لاجتياز هذه الخطوة، ربما، في مقابل مضي الولايات المتحدة بمشروعها لتحجيم إيران، ونزع سلاحها النووي، وانهاء ميلشياتها في الخارج، ووضع حد لهيمنتها أو لوجودها في سوريا والعراق؛ أي أن الثمن، أو المقابل لمثل هذه الخطوة، لن يكون بالدفع في مجال القضية الفلسطينية، على الأرجح، لأن إسرائيل ستعارض ذلك، وهذا ما يفترض بالفلسطينيين إدراكه والتعامل على أساسه، أي على تفويته، إذا كان مازال بإمكانهم ذلك.

وفي الواقع فإن إسرائيل التي رفضت عروض التسوية، وأهمها المبادرة العربية للسلام (بيروت 2001) في ظروف تلك الأيام، لن تقبل بأي عرض له ثمن فلسطيني في هذه الظروف التي تبدو فيها مرتاحة جدا، من الناحية الاستراتيجية، ولعقود من الزمن، بسبب التصدع الدولتي في المشرق العربي من العراق إلى لبنان.

هذا لا يعني أن الأمور ستسير بطريقة عادية، ومن دون عوائق أو مشكلات، إذ إضافة إلى التعنّت الإسرائيلي (المحسوب بالتأكيد)، فإن هذا الاتجاه قد يلقى مقاومة من إيران وميلشياتها، في حال تم استهدافها مباشرة، على ما نشهد في منطقة الجزيرة السورية أو على الحدود السورية ـ الإسرائيلية.

قصارى القول، نحن هنا بين خيار تسوية إقليمية، ذات بعد اقتصادي وسياسي وأمني، تحسن من وضع كيان السلطة، وتقدم غطاء لها، لا أكثر، أو بقاء الحال على ماهو عليه، وفي الحالين فإن إسرائيل هي الرابحة، إلى حين تغيير المعادلات دولياً وإقليمياً وعربياً.

ما ينبغي إدراكه، أيضاً، أنه من الخطأ بمكان المراهنة على إدارة ترامب، إذ كانت فكرة التسوية عرفت اختبارات في عهد عديد من الرؤساء الأمريكيين، الأكثر تفهما لحقوق الفلسطينيين، أو الأكثر حماساً لعقد تسوية بينهم وبين إسرائيل، من كارتر إلى بوش الأب وصولا إلى كلينتون وأوباما، إلا أن كل هذه الجهود ذهبت هباء، أولاً، بسبب ضعف حماس الولايات المتحدة لإنصاف الفلسطينيين، إذ لا يوجد ما يجبرها على ذلك، ولا على أي صعيد، بخاصة في ظل اعتماد معظم الأنظمة العربية عليها. وثانيا، بسبب ضعف نزعة الإسرائيليين لتسوية مع الفلسطينيين طالما أنهم لايدفعون ثمنا للاحتلال، بعد اجهاض مقاومتهم، وانتفاضاتهم، وبعد إقامة سلطة تدير احوالهم وتخفف الاحتكاك بينهم وبين إسرائيل، التي تبدو كأنها تحررت من تبعات الاحتلال، من دون أن تحرر الفلسطينيين من احتلالها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب