الثلاثاء 2017/05/16

آخر تحديث: 23:57 (بيروت)

إسرائيل بعد 69 عاماً

الثلاثاء 2017/05/16
increase حجم الخط decrease

في الذكرى الـ 69 للنكبة يجدر بنا اجراء مراجعة لواقع إسرائيل، التي استمرت رغماً عنا، إذ رغم عمرها القصير، وقلة مواردها، وجلبها مواطنيها من مختلف بقاع العالم، ورغم العداء والمقاطعة مع محيطها، استطاعت أن توطّد ذاتها، وأن تبني مجتمعاً يدير نفسه بطريقة حديثة وديمقراطية وعقلانية.

الأمر لا يتعلق فقط بالسياسة، وإنما يتعلق، أيضاً، بالبناء الاقتصادي، والعلمي والتكنولوجي. فهذه الدولة، مثلاً، تحتل أحد المراكز الخمسة الأولى بين الدول التي تخصص أعلى نسبة من دخلها القومي للبحث العلمي (حوالي 3.5 بالمئة)، وفيها بعض من أفضل جامعات العالم، وناتجها القومي حوالي 300 بليون دولار (2015)، وحصة الفرد من الناتج القومي حوالي 35 ألف دولار، وتصدر سلعاً ومواداً مصنعة، ومنها الكترونيات حديثة وأسلحة بحوالي 63 مليار دولار سنوياً. هنا ينبغي ملاحظة أن هذا الأمر لا علاقة له بالاعتمادية على الولايات المتحدة فقط، ولا بالارتكاز على القوة العسكرية لوحدها، فمع أهمية هذين العاملين، فإن إسرائيل، في غضون تلك العقود، استطاعت أن تخلق الديناميات التي تمكّنها من تعزيز اعتماديتها على ذاتها، وتطوير أحوالها، واستثمار مواردها البشرية، بأفضل ما يمكن، وفي مختلف المجالات، بفضل نظامها الديمقراطي؛ علما أن علاقاتها لا تقتصر على الغرب إذ تمتلك علاقات وطيدة مع مختلف الدول، مثل روسيا والهند والصين، وكثير من دول آسيا وأفريقيا.

مع ذلك فإن إسرائيل هذه، العقلانية والديمقراطية، في إدارتها لمجتمعها ولأحوالها، لم تشتغل على هذا النحو في علاقاتها مع الشعب الفلسطيني، فهي مازالت تفضل الإنكار، وعدم الاعتراف بالمظالم التي ارتكبتها بحقه، منذ قيامها على حسابهم، سيما مع إصرارها على استمرار الاحتلال، وتلاعبها بعملية التسوية.

طبعاً، هذا لا يعفي أن إسرائيل، أيضاً، تعاني من نقاط ضعف أساسية، مازالت لا تستطيع تجاوزها، وضمن ذلك التناقض بين كونها دولة دينية أو دولة علمانية، والتناقض بين اعتبارها ذاتها دولة ديمقراطية وكونها تنتهج التمييز أو العنصرية بحق الفلسطينيين، وضمن ذلك تعنّتها وغطرستها في التعامل مع محيطها العربي، برفضها "المبادرة العربية للسلام"، ما يعني رفضها عملية التسوية، وكذلك مسعاها للاعتراف بها كدولة يهودية على حساب كونها دولة مواطنين.

في كل الأحوال، فإن إسرائيل، في كل ذلك، أي بما لها وما عليها، لم تستطع أن تتزحزح عن كونها دولة استعمارية، وعنصرية، واستيطانية (دولة مهاجرين) وأيديولوجية (دينية)، وكدولة عسكرية (اسبارطية)، وكدولة "غيتو" في الشرق الأوسط، فهذه السمات هي ما يميزها عن غيرها من الدول، ما يبقي علامات الشك حول شرعيتها السياسية والأخلاقية.

الآن، وبغضّ النظر عن الجدل بشأن شرعيتها الأخلاقية والقانونية والتاريخية فقد نجم عن قيام هذه الدولة، التي أقيمت بدعوى حلّ المسألة اليهودية، الناجمة عن اضطهاد اليهود في أوروبا، أربعة مسائل رئيسة، وهي: المسألة الإسرائيلية، التي تخصّ اليهود في إسرائيل وخارجها، بما في ذلك التناقض الحاصل بين الهويتين اليهودية والإسرائيلية، والمسألة الفلسطينية، المتعلقة بوجود شعب فلسطين وحقوقه، والمسألة التي تخصّ علاقة إسرائيل الضدية أو العدائية بمحيطها وعلاقة العرب بها، وأخيراً المسألة المتعلقة بكيفية إدراك العرب للغرب، والتوتّر الناشئ منها، وضمن ذلك تبعات علاقة الغرب بإسرائيل.

هكذا فإن فكرة إسرائيل ذاتها، الدولة والمجتمع، ومآلات وجودها، باتت مطروحة على النقاش، وموضع تشكّك، رغم ما حققته من نجاحات، خلال العقود الماضية، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، وبالنسبة إلى عملية بناء الدولة والمجتمع، وذلك بالقياس إلى محيطها.

ولعل متابعة الجدل بين الإسرائيليين يؤكد أن علامات الشك باتت تطاولهم، وهو لم يتوقف عند ظاهرة المؤرخين الجدد، أو ظاهرة ما بعد الصهيونية، في الأوساط الثقافية والأكاديمية والسياسية، إذ بات يشمل علاقات الإسرائيليين بأنفسهم، بخاصة مع تحول إسرائيل أكثر إلى دولة دينية، وهو ما يظهر في مشاريع القوانين والخطابات السياسية، والتوتّر في علاقات المتدينين بالعلمانيين، وهو الأمر الذي يظهر إزاء الفلسطينيين بالتعامل معهم بطريقة تمييزية وبواسطة القوة المباشرة أو بالتحكم بالأشكال المختلفة وغير المباشرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب