الأربعاء 2017/05/10

آخر تحديث: 06:08 (بيروت)

عن توجهات إدارة ترامب السورية

الأربعاء 2017/05/10
increase حجم الخط decrease

ثمة تصريحان لافتان صدرا عن الإدارة الأمريكية، مؤخّراً، يلخّصان موقف الولايات المتحدة من اتفاق الدول الثلاث، والقاضي بإيجاد "مناطق منخفضة التصعيد" في سوريا، والذي بادرت روسيا إلى طرحه في مفاوضات "آستانة "، ورضيت به إيران ورحّبت به تركيا. الأول، جاء على شكل بيان صادر عن الخارجية الأميركية، عبّرت فيه عن قلقها من الاتفاق المذكور، بخاصة "مشاركة إيران بصفتها إحدى الدول "الضامنة"، باعتبار أن "أنشطة إيران في سورية ساهمت في العنف بدل أن توقفه". (5/5) أما الثاني، فجاء على شكل تصريح صحافي صادر عن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، قال فيه بأن واشنطن "ستفحص عن كثب الخطة، محذّراً من أن الشيطان يكمن في التفاصيل...سندرس الاقتراح ونرى ما إذا يمكن أن ينجح". (8/5)

واضح من هذين التصريحين أن الإدارة الأمريكية لا تشكّك، فحسب، بالجهود الروسية، وإنما هي، أيضاً، تريد تحجيمها، أو عدم إعطائها أكبر من حجمها، ولعلّ هذا سيتوضّح أكثر في المباحثات أو التوافقات التي سيتمخّض عنها لقاء وزير خارجيتها ريكس تيرلسون مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف (الأربعاء)، في واشنطن، وعلى ضوء الموقف الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي، اليوم أو غداً؛ هذا من جهة. من جهة ثانية، فإن هذا الموقف يبيّن أن الإدارة الأمريكية الحالية حاسمة في موقفها إزاء وضع حد لتدخّل إيران في المنطقة، إذ هي ترى في الوجود الميلشياوي لإيران، وتوابعها، على الأراضي السورية (والعراقية)، تهديداً لا يقلّ خطورة عن تنظيم "داعش"، بالنسبة لمصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، كما باعتباره أحد بواعث ظهور الجماعات الإرهابية.

تكررت، في الآونة الأخيرة، تصريحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وأركان إدارته، من وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس ومستشار الأمن القومي ماكماستر وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي تحدثت عن تركيز الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاثة محاور، أولها، محاربة جماعات الإرهاب، وخاصة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق؛ علماً أن ثمة في إدارة ترامب من بات يربط بين شبكات الإرهاب وإيران. وثانيها، تحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا. وثالثها، إنهاء القتال في سوريا وتحقيق الاستقرار في هذا البلد، على أساس التغيير السياسي، الذي يتضمن إنهاء حكم عائلة الأسد، ما يؤدي، أيضاً، إلى تحجيم نفوذ إيران في سويا ولبنان.

الواقع فإن استراتيجية كهذه تفيد بأن مرحلة السماح الأمريكي (وضمنه الإسرائيلي) لتمدّد في إيران في المنطقة قد انتهت، أو حقّقت أهدافها أمريكياً وإسرائيلياً، على الأرجح، بعد كل التداعيات الناجمة عن السياسات الإيرانية، الطائفية والمذهبية والميلشياوية، في المنطقة، والتي أدت إلى تصديع أو تفكيك البنى الدولتية والمجتمعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لا يتعلق الأمر بلقاء تيلرسون ـ لافروف فقط في واشنطن، والذي سيبحث العلاقات الثنائية، وقضيتي سوريا وأوكرانيا، على ما تسرّب من أخبار، في إشارة ذات مغزى، تفيد بشعور القادة الروس بمحدودية دورهم، بمعزل عن الولايات المتحدة، وبضرورة النزول عن السلم، واستثمار ما أنجزه التورط في سوريا، عوض مزيد من الغرق، وضمن ذلك عقد مقايضة، أو مساومة، مع الولايات المتحدة، على سوريا في القضايا الأخرى العالقة.

لا يتعلق الأمر بذلك فحسب إذ ثمة التطور الأبرز الذي يتمثّل بقيام الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب باختيار المملكة العربية السعودية، لأول زيارة له إلى الخارج، في رسالة ذات معاني كبيرة، موجهة إلى إيران أولاً، وإلى روسيا ثانياً، في ما يعتبر خياراً بشأن الموضوع السوري. والجدير ذكره أن الرياض ستشهد، عدا القمة الأمريكية ـ السعودية، عقد قمة أخرى يحضرها عديد من الرؤساء العرب ورؤساء دول إسلامية، حيث ستتصدر قضايا مواجهة التطرف والإرهاب وتحجيم نفوذ إيران، وربما تسوية إقليمية (مع إسرائيل) رأس جدول الأعمال.

القصد من ذلك أن قضية الصراع السوري، التي أضحت مجالاً للتصارع والتلاعب والتوظيف الدولي والإقليمي، ستظل كذلك إلى حين حسم الإدارة الأمريكية لموقفها، وثمة مؤشرات كثيرة تفيد بأن ذلك بات قريباً، على مايبدو. رغم ذلك فإن ما ينبغي الانتباه إليه أن هذا الاستنتاج لا يعني أن الأمور ستسير بحسب ما تشتهيه قوى التغيير، أو الثورة، في سوريا، وإنما سيكون بحسب ما تراه الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، سيما الولايات المتحدة، التي تبدو بمثابة موظف وموزع التناقضات، بفضل قدراتها، على ما تحدث ذات مرة بريجنسكي، بل إنها في هذه الحال هي، أيضاً، بمثابة موزع الحصص.

وفي هذه الحال فإن ما يفيد قوى الثورة السورية أكثر، في ظل ضعفها، وتشتتها، الاشتغال على ترتيب بيتها، والدأب على إيجاد التقاطعات والتشابكات مع الأطراف الدولية، لتعزيز دورها، ووضع مصالح وحقوق السوريين في قلب التوجهات والرؤى الدولية.

والفكرة أن الولايات المتحدة هي التي تتحكّم بمآلات الصراع السوري، أكثر من أي أحد أخر، سواء بطريقة مباشرة أو مداورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب