الأحد 2017/04/09

آخر تحديث: 10:49 (بيروت)

"حوار" في سماء سورية

الأحد 2017/04/09
increase حجم الخط decrease

قبل ساعات من الضربة الأميركية لسوريا ،  وحين كان الصمت مطبقاً في موسكو ، وساحة الإعلام متروكة للأميركيين ، أطلق الكرملين ، في وقت متأخر من المساء ، تصريحاً ملفتاً ، في محاولة واضحة للإلتفاف على الإستعدادات الأميركية للضربة على سوريا . فقد قال الناطق باسم الكرملين ، أن موسكو لا تمنح الأسد تأييداً مطلقاً ، و"ليس صحيحاً القول ، أن موسكو بوسعها إقناع الأسد بكل ما يريدونه في موسكو ، فهذا ليس "صحيحا بالمطلق ، لأن الدعم غير المشروط مستحيل في العالم المعاصر" .

وفي السياق عينه ، كان المستشرق ألكسي مالاشنكو ، عضو مجلس الخبراء في وكالة نوفوستي الرسمية ، قد قال ل"المدن" ، في اتصال معه قبل ساعات أيضاً من الضربة الأميركية ، بأن روسيا تبحث منذ زمن عن بديل للإسد ، وأنه قد جرى التداول بإسمين أو ثلاثة ، "لا أذكرهم ، لكن الأسماء لم تكن جدية" . وقال الرجل ، انه يجد صعوبة في إتهام الأسد بالهجوم الكيميائي في إدلب،"لأنه ليس غبياً لكي يصدر أمراً كهذا ، خاصة بعد تصريحات الأميركيين ، بأنهم لا يحاربون ضده" . وحين قالت "المدن" للمستشرق ، بأنه إذا لم يكن الأسد غبياً ، فإن هناك إذاً من زين للأسد سيناريو الهجوم الكيميائي من أجل تغيير التوجه الأميركي المعلن ، قال مالاشنكو " إذا هناك في محيط الأسد من يعمل ليس للأسد فقط ، بل لجهة أخرى أيضاً" .

ويُذكر في هذا الصدد ، ان الناطقة باسم الخارجية الروسية قد أعلنت في وقت سابق ، أن الفيديوهات الآتية من سوريا "قد جرى تمثيلها ، لأن المسعفين يتصرفون بهدؤ مفرط ، وليسوا محترفين". كما أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما ليونيد سلوتسكي ، قد أكد في تصريح  لصحيفة روسية الجمعة في السابع من الجاري ، قال فيه، بأن " الهجوم الكيميائي في إدلب قد يكون استفزازاً مفبركاً من أجل إعادة الولايات المتحدة إلى التمسك بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد".

وفي إطار مناورة موسكو الإلتفافية هذه تأتي المقالة ، التي نشرتها صحيفة الكرملين الخميس المنصرم في 6 نيسان/أبريل، تحت عنوان "علاقات ترامب- بوتين تعرضت لهجوم كيمائي " . فقد كتبت الصحيفة تقول ، بأن "مصلحة الكرملين بسيطة ، وهي مساعدة ترامب أن يبقى ترامب "، بينما مصلحة أعدائه مناقضة تماماً ، وتتمثل في "عدم السماح لترامب بأن يصبح رئيساً كاملاً للولايات المتحدة الأميركية  لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية على وجه الخصوص" . وتقول الصحيفة ، بما أن ترامب معادٍ لتدخل الولايات المتحدة العسكري في شؤون الغير ، فإنه ينبغي ، بشتى السبل، "تعقيد علاقته مع بوتين ، الذي ينادي في حقل الشؤون الدولية بمقولة عدم التدخل " . فإذا ما تمكن بوتين وترامب من إيجاد لغة مشتركة ، فإن هذا يهدد كل نمط الزعامة الأميركية ، كما ترسمه النخبة الأطلسية .

وتتساءل الصحيفة ما إن كانوا سينجحون في جعل أميركا وروسيا تتصادمان في سوريا ، وتجيب هي نفسها بالنفي ، لأن ما لم ينجح في العام 2013 لن ينجح الآن . وذلك لأن البلدين يحاربان الآن في سوريا ، خلافاً لما كان عليه الأمر من قبل ، ولأن الرئيس الأميركي يميل ، أكثر من أوباما حتى ، إلى الإستخدام المحدود للقوة العسكرية، والذي ، من الواضح ، أنه لا يريد بدء عهده بعملية عسكرية منفردة وأكثر من خطرة .

كما ترى الصحيفة ، أن "الإستفزاز" في إدلب لن يتمكن من ضرب الحوار الأميركي ــــ الروسي، الذي "يحتاج إليه بشدة دونالد ترامب". وليس لأنه "عميل" أو "معجب" ببوتين ، حسب الصحيفة ، بل لأنه يدرك بانه، إذا ما خضع للإستفزازات وسمح لنفسه بالإنخراط في المجابهة مع روسيا ، فلن يتمكن من تنفيذ شيئ من مخططاته الكبيرة . وفي سياق "حرصها الشديد" على تنفيذ وعوده الإنتخابية  ، تنصحه الصحيفة ، بأنه من أجل أن يجعل أميركا "عظمى" ، عليه أن يحرم النخبة القومية الأطلسية من الحق في رسم سياستها (أميركا) ونهجها ومصيرها ، "وهذا ما  يدركه ترامب جيداً" ، برأي صحيفة الكرملين .

لكن ، خلافاً لاوهام الكرملين هذه وآماله في حوار روسي ـــ أميركي سهل في ظل دونالد ترامب ، جاءت الغارة الأميركية لترسم سقفاً جديداً لهذا الحوار الذي سوف يستأنف بالتأكيد . لكن الإدارة الأميركية ، التي تُعلن عن استعدادها لتكرار الضربات على سوريا ، حين ترى ذلك ضرورياً ،  وتستعد لإقرار قانون بتشكيل "محكمة جنائية هجينة" أميركية، يشارك فيها محامون وقضاة وإختصاصيون أميركيون وسوريون  ودوليون لمحاكمة المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في سوريا ، لن تعود إلى مماحكات المفاوضات ، التي كانت تجري في عهد أوباما. والحوار، الذي يمكن أن تعود إليه أميركا، قد أعلنت ، عبر غارة السابع من الجاري ، إطاره وشروطه ، التي نسفت أوهام روسيا حول تفردها في الحل والربط في سوريا ، وهو لن يكون ، كما يبدو حتى اللحظة لا في جنيف ولا في أي مكان آخر،  بل سيكون في السماء السورية وعلى أرضها، عبر مواصلة قتل شعبها وتدمير عمارها ،  في خضم الصراع بين اللاعبين الإقليميين والدوليين على الزعامة في المنطقة والعالم .









increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها