السبت 2017/04/08

آخر تحديث: 20:25 (بيروت)

عصر الصراحة

السبت 2017/04/08
increase حجم الخط decrease

بكلمات قليلة، أوقف جيف ديفيز -المتحدث باسم البنتاغون- فيض الانفعالات والسيناريوات المتضاربة التي أشعلتها الضربة الأميركية على سوريا، حين أكد أن "الجيش الأميركي أبلغ القوات الروسية مسبقا بضرباته على قاعدة الشعيرات"، بل وأنه أجرى "عدة حوارات" مع الروس قبل الضربة. بهذه الكلمات أوضح ديفيز حدود الضربة، ودورها في السياق، بوصفها "نحن هنا" أكثر من كونها "نحن قادمون".

في الحروب الحقيقية، لا تعلن الأطراف عن نواياها، لا قبل القصف ولا بعده. تفعل ذلك إذا ما أرادت مشهداً إعلامياً، ومكاسب –سياسية لا حربية -في الداخل والخارج. وبكلمات جيف ديفيز القليلة، تضيف أميركا من بين السطور إنه لا نية لتغيير ما أعلنه البيت الأبيض قبل أيام عن الهجوم الكيماوي في خان شيخون، حين اعتبر على لسان متحدثه الرسمي أن "رحيل الأسد ليس أولوية".

ليس أولوية الأميركيين إذاً رحيل الأسد أو إطاحته، والرئيس السوري، في الوقت ذاته، حليف الروس. ذلك الاتفاق النادر من نوعه، لا يعني فقط أن العالم أمام لحظة غير مسبوقة من التواطؤ على استمرار حمام الدم، وعلى رؤوس الأشهاد، بل يعني كذلك أن أحداً من الطرفين الأقوى في الشرق والغرب، لم يعد مستعداً "لتزيين" موقفه، أو لمنحه لوناً من شعار "حر" أو "مناهض للإمبريالية". لقد كفاهم "داعش" جهد الشعارات، وصارت الحرب على الإرهاب بديلاً توافقياً يسمح للجميع –وليس في سوريا وحدها- أن يفرض أو يقبل الأمر الواقع مهما بلغت ضحاياه.

ليس مشرّفاً تاريخ التدخل الأميركي أو الروسي في الخارج، باستثناء تصدّيهما –كل من ناحيته ولمصالحه - للخطر النازيّ المروع، وانطلاقاً منه، كانت تدخلاتهما دموية، وانقلابية، وبلا رحمة. قمع الروس انتفاضات الربيع المبكرة في شرق أوروبا، كما أشعلت أميركا الانقلابات –أو دعمتها- في حديقتها اللاتينية. وفي حين لم يضطر المعسكران كثيراً إلى التبرير الإيديولوجي ليصاحب تدخل كل منهما في مجاله الحيوي وبقاعه الحدودية، فقد اضطرا إليه واستخدماه كثيراً في مناطق التّماس والصراع على النفوذ، وعلى رأسها الشرق الأوسط. وبصفة عامة، كان مهماً لأميركا للغاية أن تبدو "بلد الفرص والعالم الحر وملاذ المقموعين"، وكان مهماً للروس في عهدهم السوفياتي، أن يكونوا "أنصار الشعوب الفقيرة وثورات التحرر الوطني في كل مكان". لكن، هل أدى سقوط الشيوعية، في ثوبها السوفياتي، إلى انتفاء الحاجة الأميركية لإبراز "البديل الإيديولوجي"؟

الأكيد أن لغة القوة والسلاح والمصالح، لدى القوتين، صارت اليوم بلا قاموس سياسي، بل أصبحت في جمود وجه بوتين وتقلبات بيزنس ترامب. لم يعد الأميركيون يستعملون حتى ما رددوه منذ فترة قصيرة حول "جلب الحرية/الديموقراطية إلى العراق". لم تعد العبارات المتفائلة الدعائية تصاحب إطلاق الصواريخ. أما الروس، فمنذ انهيار إمبراطوريتهم، اكتفوا بمساندة سفاح ساقط تلو آخر، منذ جزار صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش، إلى كل ديكتاتور يحين عليه الدور في الخطة الأميركية لـ"تغيير" الشرق الأوسط. وهو تغيير تمارسه أميركا وفق مصالحها، لكن بلا دعاية، إذ لم يعد في المنطقة من هو مرغوب فيه كـ"زبون"، أو مرحب به كسائح.. ولا – بالطبع - لاجئ. تدريجياً، تتمحور خطط الغربيين والشرقيين بشأن الشرق الأوسط حول هدف وحيد: لا نريد المزيد منكم. بمنتهى الصراحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب