السبت 2017/04/08

آخر تحديث: 13:58 (بيروت)

الضربة الأمريكية والعوامل الثلاثة

السبت 2017/04/08
increase حجم الخط decrease

بعيد فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية منذ أربعة أشهر، كتبنا في هذه الزاوية مقالاً بعنوان "سورياً: ترامب يساوي أوباما"، سُقنا خلاله أمثلة تاريخية عديدة تؤكد أن التحديات المستجدة خارجياً، هي التي تفرض على الرئيس الأمريكي، شكل السياسة التي سيعتمدها حيال تلك التحديات، وليس العكس.

وفيما يركّز الكثير من المحللين اليوم على دور شخصية ترامب في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية حيال الملف السوري، تثبت المراجعة المعمقة للتاريخ، بأن تأثير شخصية الرئيس محدود للغاية، وأن معظم الرؤساء الأمريكيين انقلبوا على مواقفهم الشخصية حيال ملفات محددة، بعيد تطور التحديات التي تطال مصالح بلادهم الخارجية.

وهو ما أكده دونالد ترامب حينما قال بأن الضربة العسكرية التي أمر بها، لمطار الشعيرات قرب حمص، هي في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. قد يقول البعض، وكيف هدد الأسد الأمن القومي الأمريكي في ضربة كيماوية لبلدة سورية تسيطر عليها المعارضة؟، الجواب ببساطة، هي أن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي على نطاق واسع، ينال من عوامل ثابتة تحكم السياسة الأمريكية حيال الملف السوري منذ ست سنوات، وحتى الآن.

تلك الحيثية، أشارت إليها مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في جلسة مجلس الأمن الطارئة التي دعت إليها روسيا بعيد الضربة الأمريكية.  نيكي هايلي، أشارت في كلمتها إلى أن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي يعني أن روسيا لم تكن ذات مصداقية في اتفاق نزع سلاح الأسد الكيماوي عام 2013، الذي عقده الأمريكيون معهم يومها. أو أن الأسد، حسب هايلي، خدع الروس، مما يعني أن الروس ليسوا مؤهلين لضبط الأسد وإدارة النزاع.

تلك الحيثية بالذات، هي العامل الرئيس الذي دفع النخبة الأمريكية لإقرار توجيه الضربة العسكرية المحدودة للأسد، وإن كان ذلك لا ينفي دور عوامل أخرى في الدفع باتجاه هذا القرار، من بينها، رغبة ترامب في الاستفادة من الظرف لتعزيز موقفه الداخلي في مواجهة التحقيقات الجارية حيال تعاون أفراد من طاقمه الانتخابي مع الروس خلال الانتخابات الرئاسية.

لكن العوامل الأخرى تبقى عوامل ثانوية. فحتى لو لم يكن ترامب يواجه أي إشكالية داخلية، كانت النخبة من التكنوقراط والعسكريين سيدفعونه باتجاه اتخاذ القرار ذاته، لأن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي أحرج تلك النخبة، وأوحى لها بأن الأسد يكاد يخرج عن السيطرة، ولا بد من القيام بعملية تأديبية حياله.

لكن، لماذا يرى الأمريكيون في استخدام الأسد للسلاح الكيماوي على نطاق واسع، خروجاً عن السيطرة؟، الجواب يكون بالعودة إلى أجواء ضربة الكيماوي في الغوطة عام 2013. يومها كانت هناك ثلاثة عوامل تحكم سياسة واشنطن حيال تلك القضية بالذات. الأول، تعزيز أمن إسرائيل عبر التأكد من أن نظام الأسد لا يملك أي سلاح قادر على تهديدها، مهما كانت الظروف. وهذا العامل، يتعلق بخشية إسرائيل من استخدام الأسد أو حلفائه الإيرانيين، لأمنها، كورقة ابتزاز، إن تهددت مصالحهم في سوريا بصورة وجودية مباشرة.

أما العامل الثاني الذي حكم سياسة الأمريكيين حيال "كيماوي الأسد"، تجلى مراراً في تحذيرات الأمريكيين، والإعلام الغربي، التي وُجّهت عملياً على شكل نصيحة للأسد، بألا يُقدم على مذبحة كبرى، من قبيل "سربرنيتشا"، بصورة تضطرهم، تحت ضغط الرأي العام العالمي، إلى تغيير موقفهم حياله.

أما العامل الثالث، وهو موضع جدل ونقاش بين الكثير من المراقبين، ويتمثل برغبة الأمريكيين في إطالة النزاع في سوريا، وتحويله إلى وسيلة لاستنزاف كل الأطراف، بما فيها الأسد وحليفاه الإيراني والروسي. وبالتالي، لا يرغب الأمريكيون في أن يستخدم الأسد سلاحاً يُتيح له تحقيق نصر كاسح على خصومه الميدانيين، بسرعة.

تلك العوامل الثلاثة، ما تزال تحكم السياسة الأمريكية حيال كيماوي الأسد، اليوم أيضاً. وهي العوامل ذاته التي كادت تدفع بأوباما لشن ضربات عسكرية ضد الأسد، لولا أن الروس نجحوا في تقديم صفقة مُجزية للأمريكيين، تستجيب لعواملهم الثلاثة، وهي نزع سلاح الأسد الكيماوي.

هذه العوامل، استجدت في هجوم الأسد الكيماوي الأخير في خان شيخون. الأمر الذي اضطر ترامب لأن يحذو حذو أوباما، مع فارق، هو أن الروس لم يستطيعوا تغيير الموقف الأمريكي، لأن وعدهم بنزع سلاح الأسد الكيماوي في المرة الماضية، لن يكون له أي معنى في هذه المرة.

كل ما سبق يوصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها، أن السياسة الأمريكية حيال الملف السوري لم تتغير. ما تغير هو فقط شكل التحديات التي تواجه تلك السياسة، الأمر الذي يتطلب منها استجابات مختلفة. وما دامت الضربة التأديبية الأمريكية للأسد، آتت ثمارها، في جعله يمتنع عن أي استخدام جديد للكيماوي على نطاق واسع، لن يكون لتلك الضربة أي تبعات على صعيد إحداث تغير نوعي في المشهد السوري، على المدى القريب.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها