الثلاثاء 2017/04/04

آخر تحديث: 23:28 (بيروت)

ثورة حتى "النص"

الثلاثاء 2017/04/04
increase حجم الخط decrease

في الذكرى السادسة لانطلاق ثورة الحرية والكرامة قمت، عبر كتابة عدد من المقالات، بقراءة أداء المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وقد اكتفيت فيها بعرض مواقفها وممارساتها العامة، لم أقم بتفسير مواقفها وممارساتها كي لا أقع في شبهة تبريرها، وهذا جعل الصورة ناقصة وبحاجة إلى تفسير وتقويم لذلك الأداء لكشف دورها في انكسار الثورة وفشلها في تحقيق أهدافها العامة كي نستخلص الدروس ونأخذ العبر.

عانت أحزاب المعارضة السورية وكوادرها من نقاط ضعف عديدة ترتب عليها ذلك النتاج  البائس الذي عرضناه في خمس مقالات متتالية (عن المعارضة والثورة-المدن:15/3/2017، عن العسكر والثورة في سورية- الحياة:20/3/2017، إخوان سوريا والثورة- المدن:21/3/2017، هيئة التنسيق الوطنية والثورة- المدن:28/3/2017،«إعلان دمشق» في تراث الثورة- الحياة:3/4/2017). نقطة ضعفها الأولى، والقاتلة، التعارض بين بنيتها الفكرية وممارستها النضالية، حيث الفجوة واسعة بين المدركات والمواقف. فبالرغم من تشخيصها السليم لطبيعة النظام المؤسّس على سياسة الهوية، وتلمسها لمدى تمسكه بالسلطة وبخياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رغم نتائجها الكارثية على أغلبية الشعب السوري، من خلال اعتماده طوال عقود حكمه على قاعدة "السياسة أمن"، واستخدامه القبضة الحديدية ضد كل التحركات المناوئة، مهما كانت بسيطة وثانوية، وإغلاقه حقل السياسة وحرية الرأي والتعبير بصورة شاملة، وما ترتب عليها من انهيار للهوية الوطنية السورية وتدمير للنسيج الاجتماعي والوطني، وتقويض للتطلعات الوطنية، واغتراب المواطنين وتعميق الاحتقان والتوتر وتحوله إلى عنف مكبوت برز مع انطلاق ثورة الحرية والكرامة. فإنها في مواقفها وممارستها عارضت تشخيصها هذا وتعاطت مع النظام وكأنه كيان منفتح ومرن ومستعد لتقبل الآراء والاقتراحات والدخول في مساومة جدية حول الحلول. تجلى تناقضها هذا في عقدها في بداية الثورة لقاءات مع رموزه (فاروق الشرع وبثينة شعبان)، وعقدها لقاء فندق سمير أميس في دمشق لتحديد منطلق وتصور لحل سياسي في ضوء موقفها القابل بالحوار معه، ومشاركة بعضها في المؤتمر التشاوري الذي نظمه هو في فندق صحارى. فقد تعاطت معه بحثا عن حل في حين تعاطى هو معها على خلفية خلق فجوة بينها وبين الثورة كي يعزل الثوار ويحرمهم من حواضن سياسية وفكرية تساعدهم على النضوج والتصرف العقلاني. نسيت ردة فعله على دعوات الإصلاح أيام ربيع دمشق 2004، وعلى البيان الختامي للمجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي 2007، مع انه دعا إلى "تغيير ديمقراطي سلمي وتدرجي وآمن"، وحملات الاعتقالات والأحكام التعسفية التي طالت عددا من الناشطين في الحالتين. نقطة ضعفها الثانية، التي لا تقل مأساوية عن الأولى، تبنيها لسياسة الحُسنيين: معارضة وسالمة في آن. فقد عكس تحركها السياسي طوال العقود الأربع الأخيرة اعتمادها خوض صراعات منخفضة الحدة أساسها إصدار بيان سياسي أو تصريح إعلامي، وتهربها من أية فكرة أو دعوة لتحرك ميداني ومواجهة مباشرة، امتدت هذه السياسة خلال الثورة بتجنب معظم المعارضة الانخراط المباشر في فعالياتها، فهي غير راغبة في دفع ثمن سياسي أو مادي لمواقف محددة وواضحة ضد النظام. وقد عكس ردها على تبني النظام خيار القوة ضد التظاهرات السلمية تلك السياسة بوضوح عبر مغادرة كوادرها الرئيسة للبلد إلى المنافي. نقطة ضعفها الثالثة تعاطيها الانتهازي مع الثورة والثوار، فقد قادتها سياسة الحُسنيين ورغبتها في احتلال موقع في المشهد السياسي الجديد، مهما كانت طبيعته وحجمه، كمدخل لتعويم أحزابها ومنظماتها، في الثورة في الوقت نفسه، إلى مداهنة الثوار والإشادة بكل مواقفهم وممارساتهم مع تحاشي توجيه أي نقد إليهم، مهما كان صغيرا، أو إبداء أية ملاحظة أو تحفظ على أي من خياراتهم وممارساتهم، وهذا أضاع على الثورة فرص ترشيدها ومدها بالتقديرات والتوجهات المناسبة خلال تطورات المواجهة والصراع وتعقده وضياع بوصلة معظم قوى الثورة وكياناتها المنظمة، ربما كانت نجحت في تجنيبها أخطاء قاتلة وقعت فيها. نقطة ضعفها الرابعة انخراطها في الصراعات البينية وخوضها حربا ضروسا في ما بينها بدلا من التركيز على النظام الاستبدادي، وتورط بعضها، علمانيين، في التحالف مع النظام ضدا بخصومهم العقائديين: الإسلاميين، ما حوله إلى العوبة بيد النظام استخدمها، عبر تشكيل محاور عقائدية متصارعة، ليس في ضرب خصوم هذا البعض فقط بل وفي تبرير سياساته القمعية والاستنسابية والاستئثارية وتلميع صورته. وأما نقطة ضعفها الخامسة والأخيرة فافتقادها للإمكانيات وسعيها للحصول عليها واستسلامها لسياسات الدول والجهات المانحة وتفريطها بقرارها المستقل وجر الثورة إلى طرق ومسارب جانبية بعيدا عن أهدافها الخاصة.

لا يغير انطلاق المعارضة، السياسية والعسكرية، من التسليم بمبررات الثورة ووجاهة مطالبتها بالحرية والكرامة لان النوايا والمواقف المبدئية لازمة لكنها غير كافية وتحتاج إلى العمل الجادة والمدروس والمخطط لتحقيق الأهداف، الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة، كما يقول المثل، وقد كشفت ممارستها أنها مع "نص" ثورة و "نص" تغيير، ما انعكس سلبا على الثورة وعلى مصيرها ونتائجها النهائية.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب