السبت 2017/04/29

آخر تحديث: 13:45 (بيروت)

ما اعملش الشاي

السبت 2017/04/29
increase حجم الخط decrease

في غمضة عين، بدا كأن معاناة الشبان المصريين الذكور من تكاليف الزواج قد تبخرت فجأة، وصاروا جميعا على استعداد لأن يتزوجوا حالا، لا من امرأة واحدة فحسب بل من اثنتين أو ثلاث معا، وذلك بمجرد أن أبدت إحدى الشابات هذا الأسبوع اعتراضا –اعتبرته شرعيا-على إعداد "كوب من الشاي" لزوجها المستقبلي.

لم يثر الشاي المصري  جدلاً اجتماعياً وفكاهياً في الآن ذاته، سوى قبل أكثر من 40 عاما، حين غنّت ليلى نظمي عددا من الأغاني ذات الروح الشعبية حققت نجاحاً كاسحاً آنذاك، كان منها" أمّا نعيمة" و"ادلع يا عريس" وما اخدش العجوز"، وكذلك كان منها أغنية" ما اشربش الشاي، أشرب آزوزة (مياه غازية) أنا"، التي اعتبرها البعض أغنية خفيفة الظل واعتبرها آخرون- خصيصا بعد نجاحها الواسع-  دليلا على هبوط الذوق العام مع بداية الانفتاح الساداتي. كانت الفتاة في الأغنية ترفض مجرد "شرب الشاي" وتفضل بدلا منه –على سبيل الدلال- شرب "الحاجة الساقعة"، لكن جهاد تليمة، "الإسلاميك فيمنيست" كما وصفت نفسها، أثارت هذا الأسبوع جدلا لا يقل انتشاراً ولو في الواقع الافتراضي، بخصوص "عمل الشاي" لزوجها، حين كتبت مخاطبة السيدات" لو جوزك قالك اعمليلى شاى وهو بصحته ماتعمليش! شرع ودين انتى مش مطلوب منك ف الاسلام خدمة زوجك ! تانى وتالت وهكررها! اسلاميك فيمنيست وافتخر!"

ودوّى ما كتبته تليمة في فضاء السوشيال ميديا التي تختار – بخوارزمياتها الغامضة-ما يحقق الانتشار وما لا يفعل، وكذلك في عالم الصحافة التي اهتمت بالجدل وناقشت النسوية في طبعتها الإسلامية، وأيّدت تليمة الكثير من الفتيات،  متسلحات بالحجج الشرعية وآراء "جمهور الفقهاء" الذي يغلب عليه رأي أن المرأة ليس ملزمة "بخدمة" زوجها، خاصة لو كان لها من قبل خادمة أو خادم في بيت أبيها، وهنا كان الرد المباشر من الشبان هو (مثنى وثلاث ورباع)، والمعنى إنه إذا كانت الزوجة ستتخلى عن "خدمة" زوجها بدعوى عدم وجوبها شرعا، فإن الشرع نفسه يتيح للزوج أن "يتزوج عليها"، واحدة واثنتين وأكثر، وسرعان ما امتلأ فضاء التواصل الاجتماعي بحوارات متخيلة، تنتهي عادة بتراجع الزوجة عن "عنادها" وعودتها بالخطوة السريعة إلى المطبخ، بمجرد أن يلمّح الزوج بالزواج من أخرى "تعمله الشاي".

كانت تلك الحوارات الافتراضية كذلك  ليس لأنها على الواقع الافتراضي فحسب، بل لأن معظم من "تخيلوها" بدا واضحا أنهم لم  يتزوجوا بعد، وإنما يتخيلون شكلا مبسطا وسطحيا لعلاقة الزواج يشبه الحوارات الساخرة القصيرة على فايسبوك، فضلا عن أن هذا الاستعداد "العنتري" للزواج من امرأة جديدة في التوّ واللحظة، يتناقض بوضوح مع واقع شكوى الشبان الدائمة من صعوبة تكاليف الزواج ابتداء،  غير أن ما لفت هنا وهناك، في حجج الشبان والشابات، هو أنهم جميعا بحثوا عن سند، شرعي أو اجتماعي، لا لعقد الزواج نفسه –فذلك مفروغ منه- ولكن لأبسط تفاصيل الحياة اليومية بين الزوجين، كان اللافت أن تلك الأجيال "الجديدة"، التي نشأت في ظل الفيسبوك، لجأت إلى ايقاظ فقهاء رحلوا منذ مئات السنين ليحسموا لها أمراً في بساطة " كباية الشاي".

يمكن رؤية الأمر نفسه في إحدى أشهر صفحات فيسبوك المختصة بمشكلات الزواج والحياة العاطفية، وهي صفحة (Problem Counselling Centre of Bride Group )، والتي يصل عدد مشتركيها إلى حوالي نصف مليون مستخدم، وعلى الرغم من أن معظم طالبي الاستشارات وعارضي المشكلات هم في بدايات حياتهم الزوجية والعاطفية، أي أنهم غالبا في سن الشباب وأحيانا أصغر من ذلك،  فيمكن أيضا ملاحظة أن غالبية الاستشارات،  تبحث عن حلول تحظى برضا المجتمع وتتكيف معه، أو تشكو –على استحياء- من الضغط الاجتماعي دون أن تجرؤ على التحرر منه، فإن فعلت، عاقبها "جمهور" المعلقين فورا بالتوبيخ أو السخرية، لتعود إلى جادة الصواب الاجتماعي، يحدث ذلك والصفحة لا تنشر حتى أسماء طالبي الاستشارات، أي أنهم –كما يفترض- متحررون من ضغط إعلان هوياتهم.

وكعادة الـ "تريند" في عالم الفيسبوك، سرعان ما صعدت موضوعات أخرى ليهبط "كوب الشاي" مكانها، لكن الزواج والأسرة ليسا "نزعة" مؤقتة، بل حياة مستمرة جاء "كوب الشاي" ليلقي بعض الضوء على شروطها القديمة، وعقليتها الأقدم، ضوء كشف أن تلك الأسرة قد تنتج أبناء جدداً لكن بلا وعي جديد.  







increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب