الخميس 2017/04/27

آخر تحديث: 07:24 (بيروت)

الكرملين يوبخ إردوغان ولا ينفي كلامه

الخميس 2017/04/27
increase حجم الخط decrease

لم ينفِ الكرملين تصريحات إردوغان لوكالة رويترز حول حديثه مع بوتين بشأن الأسد ، ورد عليها الناطق الرسمي باسمه ديمتري بيسكوف ، الذي لم يخفِ امتعاضه منها ، بأن لا جديد في هذه التصريحات، التي دأب بوتين على تكرارها منذ سنوات . وبعد ساعات على التصريحات المذكورة ، قرر الكرملين تذكير إردوغان بآداب السلوك في الأحاديث بين رؤساء الدول . فقد شعر الكرملين ، كما يبدو ،أن إردوغان ، ومن خلال تصريحاته هذه ، أراد إحراج بوتين بموقف "سري له " يُضعف موقعه، ليس في اللقاء في سوتشي فحسب ، بل وفي اللقاء مع دونالد ترامب ، الذي سوف يتم في اواخر أيار/مايو القادم ، على ما أكدت صحيفة "kommersant" الروسية المستقلة في وقت متأخر من مساء الأربعاء في 26 الجاري ، تقلاً عن مصادرها في كلٍ من واشنطن وموسكو.

فقد نشرت صحيفة الكرملين "vzgliad" بعد ظهر الأربعاء في 26 الجاري مقالة بعنوان "إردوغان ارتكب خطأً قبل اللقاء مع بوتين" ، قالت فيها ، إن إردوغان استشهد بكلام بوتين خلال حديث هاتفي لهما. والقصة ، حسب الصحيفة، ليست في مدى صحة الكلام ، الذي أورده إردوغان ، بقدر ما هي في "أن الكرملين لا يحب الإعلان عن مثل هذه التفاصيل" . وإذا ما أخذنا بالإعتبار ، أن العلاقات الروسية ــــ التركية تمر مجدداً ليس بأفضل أوقاتها ، فإن المحادثات المقبلة تشي بأنها لن تكون "غير سهلة بالنسبة لإردوغان".

وتقول الصحيفة ، بأنها ليست المرة الأولى ، التي يدلي فيها الرئيس التركي بتصريحٍ قاسٍ بشأن الرئيس السوري ، إلا أنه في هذه المرة ، ومن أجل تدعيم موقفه هذا، عمد إلى الكشف عن تفاصيل حديثه الهاتفي مع فلاديمير بوتين . ووفقاً لما ذكر الزعيم التركي ، فإن الرئيس الروسي قد قال : "لا تفهمني يا إردوغان خطأً ، أنا لا أدافع عن الأسد ، أنا لست محاميه " .

وفق نص التصريح الجديد حول ضرورة مغادرة الأسد ، قد يُفهم من الكلام ، الذي نُقل عن بوتين ، أن ثمة تغييراً في موقف موسكو حيال مصير الرئيس السوري . لكن الأمر ، في الواقع، حسب الصحيفة ، هو على العكس تماماً ، والوضع مثير للإهتمام من جوانب عدة . فالكلام ، الذي نُقل عن بوتين ، يتفق كلياً مع موقف الكرملين ، الذي تم التعبير عنه رسمياً ، غير مرة ، في السنوات الأخيرة. فروسيا ، في الصراع السوري ، تدعم ليس بشار الأسد ، بل حكومة سوريا الشرعية .

وتقول الصحيفة، أن المفارقة في الأمر هو أن الكلام ، الذي نقله إردوغان عن فلاديمير بوتين ، يكرر بدقة ما كان قد قاله الأخير منذ خمس سنوات ، حيث صرح في كانون الأول/ديسمبر 2012 بالقول "نحن لسنا محامي القيادة القائمة في سوريا". وهذا يعني ، بالتالي ، أن تلك هي معادلة موسكو الثابتة منذ سنوات لدى توصيف موقف روسيا من الأزمة السورية .

وعلى هذا، فإن كلام إردوغان يبدو، حسب الصحيفة، على أنه محاولة لتضليل صحافيي  الوكالة والراي العام . وأهم ما في الأمر هنا هو السؤال ما إن كان الزعيم التركي نفسه قد غدا ضحية الوهم الذاتي، الذي أقنع به نفسه، بان كلام بوتين يمكن تفسيره على أنه تراجع في دعم موسكو للنظام السوري .

ومهما يكن من أمر ، فإن الكرملين قد أكد أيضاً ثبات موقف بوتين في مسألة الأسد ، وكذلك في أنه ليس محاميه، في الواقع ، بل هو ، وحسب كلام السكرتير الصحافي للرئيس "يدافع عن القانون الدولي".

نشر إردوغان لكلام بوتين ليس من الغرابة بشيئ ، إذ أن الأمر قد تكرر اكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة ، حسب الصحيفة . فقد ذكرت ، بأن إحدى أكبر الفضائح في هذا المجال قد جرت في العام 2014 ، حين كشف رئيس اللجنة الأوروبية حينذاك جوزيه مانويل باروزا تفاصيل حديثه الهاتفي مع فلاديمير بوتين . فقد نقل باروزا ، خلال قمة روؤساء الإتحاد الأوروبي ، كلام الرئيس الروسي بأنه "لو كنت أريد ، لكان بوسعي احتلال كييف خلال أسبوعين". وقد أثار هذا الأمر حينها ضجة هائلة ، لم تهدأ إلا بعد ان اقترحت موسكو نشر التسجيل الصوتي للحديث ، كي يقتنع الجميع أن كلمات بوتين قد انتزعت من سياق الحديث.

وتشير الصحيفة إلى أنه قد جرت عدة أحداث مشابهة منذ ذلك الحين ، حين كان زملاء بوتين يكشفون تفاصيل أحاديثهم معه وجهاً لوجه . وقد علّقت موسكو أكثر من مرة على هذه الأحداث ، مشيرة إلى أن الأمر يمثل خرقاً للتقاليد القائمة في التواصل بين رؤساء الدول والبروتوكول الدبلوماسي. وكان الإحتقار لمثل هذا السلوك يبرز دائماً في نبرة الكرملين .

من الواضح أن ما قام به إردوغان لن يضيف له نقاطاً في الكرملين في ظل الظروف القائمة . وهو نفسه لم يكسب شيئاً ، حسب الصحيفة ، من خلال الكشف عن كلام بوتين ، الذي يظهر أن الرئيس الروسي يتنبه جيداً لما يقوله ، حتى في الأحاديث الخاصة .

وترى الصحيفة أن ما يزيد الموقف حدة ، هو أنه سوف يجري بعد أسبوع ، في 3 أيار/مايو ، لقاء في سوتشي بين بوتين وإردوغان . وخطوة الرئيس التركي تبدو خاطئة أكثر في هذا الوضع ، لأنها من المستبعد أن تضيف تعاطفاً له ، وأن تعزز موقفه في المحادثات ، التي تشي بأنها ستكون صعبة جداً .وتؤكد الصحيفة ، أن العلاقات الروسية ـــــ التركية تشهد في الوقت الراهن تطور اتجاهات متناقضة فيها ، حيث تترافق خطابات الصداقة مع خطوات ضارة من قبل الطرفين .   

وتذكّر الصحيفة إردوغان بالمصاعب ، التي تحيط به ، وتقول ، بأنه ، على الرغم من النجاح الشكلي للإستفتاء الأخير في تركيا حول الدستور ، إلا أن وضع أردوغان أبعد ما يكون عن الجيد ، لأن الإستفتاء كشف عن انقسام عميق في المجتمع التركي . كما تذكّره أيضاً بالصعوبات ،التي يعانيها في العلاقات مع الإتحاد الأوروبي ، وبردة الفعل السلبية للولايات المتحدة على الإشتباكات المتواصلة للجيش التركي مع الأكراد في سوريا والعراق .

وتختتم صحيفة الكرملين مقالتها بالقول ، أن إردوغان يجد نفسه ، في الوقت الراهن ، محاطاً بالمشاكل والمصاعب والأعداء داخل البلاد وخارجها . ويبقى السؤال مطروحاً ما إن كان لديه ما يكفي من الطاقات "ليحارب" على "جبهات" متعددة (المزدوجان من الصحيفة). وهو ، بكشفه كلام بوتين ، قد قام بخطوة ضارة ، قادرة على تعقيد وضعه على واحدة من "الجبهات" المتعددة ، أي في المباحثات المقبلة في سوتشي . وليس من المهم في اللحظة الراهنة  ،على قولها ، ما إن كان لدى الرئيس التركي تصميم مسبق على القيام بذلك ، أم أنه أقدم على ذلك تحت تأثير الحماسة .

من الواضح ، من خلال ما ذكرته صحيفة الكرملين هذه ، ومن كل ما نشرته المواقع والصحف الروسية خلال الساعات ، التي أعقبت تصريحات إردوغان لوكالة رويتر ، أن الكرملين يصر على تأكيد ما ورد على لسان إردوغان حول الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد ، خاصة على عتبة اللقاء بين بوتين وترامب أواخر أيار/مايو القادم ، لكنه يرفض ، في الوقت عينه ، الموقف "الحرج"، الذي حشره به إردوغان ، وكأن الكرملين عاجز عن إعلان موقفه الصريح بنفسه من المأزق السوري . فالعنجهية الروسية ، التي يتميز بها ساسة الكرملين الحاليين ، رفضت أن تخضع "لتطاول" أردوغان هذا على "العظمة الروسية" ، وقررت توبيخه على فعلته قبل اللقاء القادم في سوتشي.






increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها