الثلاثاء 2017/04/25

آخر تحديث: 07:44 (بيروت)

ماكرون: رئيس بعكازين؟

الثلاثاء 2017/04/25
increase حجم الخط decrease
لم تخرج نتائج انتخابات الرئاسة الفرنسية عما كانت تتوقعه استطلاعات الرأي، الحديث عن زلزال سياسي فرنسي بعد صدور النتائج ينطوي على عدم تصديق تلك الاستطلاعات، وعلى الأرجح انتظار مرشح الجمهوريين فرانسوا فيون أن يفجر مفاجأة بتأهله إلى الجولة الثانية. لكن خسارة فيون نقطةٌ مضيئة لأن العزوف عن التصويت له أتى على خلفية تورطه في قضية فساد، الأمر الذي لا يصح على جمهور مارين لوبن الذي، رغم تورطها في قضية فساد مشابهة، بقي وفياً لمرشحته فيما لا يخلو من دلالة مفادها تغليب الخطاب المتطرف اليميني على ما عداه من اعتبارات، وفي مقدمها الاعتبارات الأخلاقية.

نظرياً، ينتظر إيمانويل ماكرون تنصيبه رئيساً بموجب استطلاعات الرأي التي تمنحه حوالي 65% من نوايا التصويت. وكما كان متوقعاً حثّ المرشح الاشتراكي بونوا أمون جمهوره على التصويت لماكرون في الجولة المقبلة، وكذلك فعل فيون، أما مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون فقال إن معركة جمهوره قد انتهت مع الجولة الأولى، ما يعني الوقوف على مسافة واحدة من المرشحَيْن وإسداء الخدمة لمرشحة اليمين المتطرف. موقف ميلانشون اللاأخلاقي ليس مستغرباً ممن يناصر نظام بشار الأسد وبوتين، وربما لا يتعدى تأثيره نصف الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، أي الأصوات التي تشكل قاعدته الانتخابية الفعلية لا تلك التي حصل عليها لمناسبة الانتخابات فحسب.

المفاجأة ستحدث في حال فوز لوبن في الجولة الثانية، وهذا مستبعد جداً حدوثه إلا في حال قرر اليمين الجمهوري التصويت لها بكثافة، وتراجعت نسبة التصويت عموماً في الجولة القادمة. هذه الفرضية الضئيلة لا تعني قدرة لوبن على تنفيذ برنامج حملتها الانتخابية، فالنظام الرئاسي الفرنسي لا يمنح الرئيس صلاحيات مطلقة. ربما أسوأ ما في سيناريو فوز لوبن هو انقسام الفرنسيين بحدة، وقضاء خمس سنوات من العطالة والفوضى السياسية في انتظار انتهاء ولايتها المحكومة بالفشل مسبقاً.

لن تجد لوبن في حال فوزها تعاوناً من اليمين واليسار، وستجد معارضة شرسة من النقابات التي تحظى بحضور قوي وبقدرة على شلّ حركة الاقتصاد، حيث يسيطر الاشتراكيون على النقابات الكبرى. أما قاعدة لوبن الناخبة فهي موزعة على المستوى الوطني العام، ولا تتمتع بوجود جزئي قوي على مستوى الدوائر الانتخابية يؤهلها للحصول على نسبة كبيرة من عضوية الجمعية الوطنية "البرلمان". هذا يصح أيضاً على ماكرون الذي حاز المركز الأول بسبب ضعف وتشتت معسكر الاشتراكيين، والفضيحة الكبرى التي أودت بحظوظ مرشح الجمهوريين.


إذاً لن تكون الطريق ممهدة أمام "الرئيس ماكرون"، فالمفاجأة الكبرى "إن حصلت" ستكون في انتخابات الجمعية الوطنية المقررة في الحادي عشر والثامن عشر من شهر حزيران المقبل. مدة الشهر الفاصلة، بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لن تكون كافية لماكرون كي يرسخ حضور حركته الجديدة "إلى الأمام" ويحقق المفاجأة، بخاصة لارتباط هذه الحركة أولاً بالاستحقاق الرئاسي، ولاحتوائها على طيف متعدد المشارب بين اليمين واليسار، إلى حد قد يصعب فيه التوفيق بين حلفاء اليوم. قول ماكرون أنه سيأخذ "أفضل ما في اليمين وأفضل ما في اليسار" يصعب تصريفه في الواقع السياسي المستدام من دون نهج وسطي خاص، نهج لا يعتمد فقط على براغماتية الحملات الانتخابية. للانتخابات التشريعية حسابات مختلفة تماماً، فكثرٌ من ناخبي ماكرون اليوم سيعودون إلى التزامهم الحزبي، وبدءاً من خسارة مرشحيهما في الدورة الأولى سيباشر الحزبان الاشتراكي والجمهوري لملمة الصفوف والتحضير لما بعد.
سيكون "الرئيس ماكرون" إما أمام خيار التحالف مع اليمين الجمهوري أو مع اليسار الاشتراكي، وفقاً لما ستكون عليه نتائج الانتخابات التشريعية، وبموجب موقعه الوسطي وبراغماتيته الشخصية قد يكون كمن يستند إلى عكازي اليمين واليسار حسب الحاجة. في الرئاسة لن يستفيد من أولئك الذين لم يكونوا راضين عن مرشح حزبهم، أو الذين صوتوا له تخوفاً من صعود اليمين المتطرف، وفي القرارات الكبرى التي تمس مستقبل البلادأو مستقبل شريحة كبرى من الفرنسيين تتغلب الاعتبارات الحزبية العريقة على شخصية الرئيس كائناً من كان. يُذكر هنا أن الرئيس الحالي أولاند فشل في تمرير مشروع إصلاح قانون العمل في البرلمان "مطلع عام 2016" بعد معارضة شديدة من حزبه، وإثر اندلاع مظاهرات دعت إليها نقابات بعضها يهيمن عليها حزبه الاشتراكي.

لتمرير أفضل ما في اليمين وأفضل ما في اليسار، بحسب تعبيره، يحتاج ماكرون اليمين واليسار وقت اللزوم؛ هذه صيغة لا يمكن الزعم بأنها صيغة حكم قوي مستقر، مثلما لا يمكن الزعم بأنها ستثمر الهجين الأفضل حقاً. وإذا اضطر، وهذا مرجح، إلى اعتماد سياسة شبه تقليدية فالكاريزما الشخصية غير كافية للتغطية على إحباط من انتخبوه بناء على شعارات كبيرة عن التغيير. في المحصلة ليس من الضرورة أن تنتج الحاجة إلى التغيير أبطاله فوراً، بل من الوارد جداً أن تعبّر النقمة على الطبقة السياسية باختيار غير موفق، أو أن يتنطع إلى استغلال تلك الحاجة براغماتيون أو شعبويون.

النقمة على الطبقة السياسية في فرنسا حقيقية، والزلزال السياسي المنتظر لم يحدث بعد، ولن يحدث بانتخاب ماكرون، أو حتى بانتخاب لوبن. هي على الأرجح مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر، وقد يكون مفيداً تذكّرُ أن سنة واحدة تفصلنا عن ذكرى مرور نصف قرن على الثورات الطلابية التي اندلعت بدءاً من فرنسا وصنعت وجه أوروبا الحالي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها