السبت 2017/04/15

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

ليلة الأزهر

السبت 2017/04/15
increase حجم الخط decrease
بصوت متهدج، صرخ الإعلامي عمرو أديب عبر الشاشة " تنحّى يا أخي، يرحمك الله، لو مش قادر، وتعبان وعيان وزهقان، سيبها لحد تاني، هنموت بسبب سلبيتك، هنموت بسبب ضعفك، ربنا يكرمك، سيبنا نعيش، إنت بني آدم مش نبي، إنت موظف مش نبي، وما لكش قدسية".

وعلى الرغم مما توحي به الكلمات وشكل الخطاب والمطالبة بـ"التنحي"، فلم يكن أديب يوجه كلماته إلى الرئيس أو إلى وزير في الحكومة، بل إلى شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، الذي إن كان يملك سلطة على مؤسسته العريقة، واستقلالية محمية بالدستور، إلا أن تلك السلطة حين تخطو خارج الأزهر تصبح سلطة معنوية فحسب. فحتى مسؤولية الإفتاء تتحملها مؤسسة شبه مستقلة أخرى هي "دار الإفتاء المصرية"، ومن ثم كان مبالَغاً فيه بعض الشيء، أن يطالب أديب، ثم جوقة إعلامية كاملة في ما بعد، شيخ الأزهر، بأن "يتصدى للإرهاب"، وهو تعبير تطوّر أولاً عن "التصدي للفكر الظلامي"، قبل أن يصل إلى "دور الأزهر في (محاربة) الإرهاب"، بحسب "أدبيات" الإعلام المصري المقرب من الحكومة.

نطق أديب كلماته قبل شهر من التفجير المروع للكنيستين في طنطا والإسكندرية، ثم كانت ليلة التفجير تلك هي ليلة انضمام الجميع إلى صوت أديب في الهجوم الغاضب على الأزهر. صار إحراج الشيوخ الأزهريين في البرامج أمرًا عادياً. لم يعد الحديث في التلفاز عن "كتب التراث المضللة" يثير العجب، رغم أنه تسبب في سجن كتّاب وباحثين قبل وقت ليس بالبعيد. وصار الإعلام مستفزا للأزهريين، حتى دفع بعميد كلية أصول الدين إلى الاتصال ببرنامج الإعلامية لميس الحديدي، قائلاً لها على الهواء: "لا تتحدثي بما ليس لك به علم"، ما دفعها إلى رد الإحراج بمثله، بالقول إن عميد الكلية "هو مَن بادر بالاتصال بنا، فنحن لم نطلب مداخلته".

يستند الإعلام شبه الحكومي –في غضبه- إلى دعوة الرئيس السيسي الأزهر قبل أكثر من عامين، إلى قيادة "ثورة دينية"، في مواجهة "الفكر الذي تم تقديسه وجعل المسلمين في حالة عداء مع الدنيا كلها"،. لكن، حين تطوع بعض الباحثين –إسلام البحيري نموذجاً- للقيام بالمهمة، تم سحقه بين مطرقة الحكومة وسندان الأزهر. تقدمت المؤسسة الدينية ببلاغ ضده وأوقفت برنامجه، وسرعان ما وجد البحيري نفسه في السجن مُتهماً بازدراء الأديان، ولم يستخدم الرئيس سلطة العفو عنه إلا قبل موعد خروجه الطبيعي بأقل من شهر واحد، بينما عادت الرئاسة إلى مطالبة الأزهر ومؤسسات الدولة "بإصلاح وتطوير الخطاب الديني".

وحتى من دون الغوص في معنى ذلك "الإصلاح"، الذي قد يراه كل شخص على طريقته، أو في المنشود من الثورة الدينية (تنتمي الثورية والأصولية في المصطلح السياسي إلى الأصل "الجذري" ذاته)، وحتى بعد استبعاد ما سبق، يمكن ملاحظة التناقض الكامن في اتهام الأزهر ومطالبته بالإصلاح في آن. فإذا كان الأزهر هو المشكلة – إلى حد التفتيش في مناهجه "المتشددة" وأسماء أشهر خريجيه - فمن غير المفهوم كيف يمكن أن يصلح المشكلة مَن تسبب فيها؟ يشبه ذلك أن تنهار بناية فتأتي بالمهندس الذي أنشأها "ليصلح غلطه". أما إذا كان الأزهر قادرا على "التجديد والتطوير والتنوير"، فكيف تسبَّب – من الأصل - في التطرف أو سمح بوجوده؟ ثم حتى لو بادر الأزهر إلى الإصلاح الديني، كم ينبغي أن يمر من الوقت قبل أن تتحقق ثمار ذلك الأصلاح؟ لا شك أنه أكثر من هاتين السنتين بكثير.

والأكيد، أن التنظيمات المتطرفة، لم ولن تعبأ بأي "إصلاح أزهري". فأقلها تطرفاً يرفض الأزهر، وأشّدها يكفّره. وإذا كان إصلاح مؤسسة من قبل رجالها أنفسهم أمراً شبه مستحيل، فإنه يستحيل تماماً إذا كان الإصلاحُ الذاتي المطلوبُ "فكرياً"، لأن المرء لا يبدّل عقله بقرار، ولم "تتطور" مؤسسة دينية إلا لتلحق بمجتمع سبقها في التطور، كي تنقذ نفسها من الاستبعاد المجتمعي.

والأمر أن كتب التنوير ومحاولات الإصلاح، تملأ المكتبات، لكن الإرهاب يحتاج إلى "فعل" يواجهه، إلى إرادة ترسي قوانين وتشريعات مدنية تدعم المساواة وتدافع عنها وتفصل بين الدولة والانتماءات الدينية. وتلك أفعال لا يقدر عليها الأزهر، وإن أراد (وهو لن يريد). لا يقدر على تلك الإجراءات سوى الدولة ذاتها. وحدها تستطيع أن "تفعل" إن أرادت، ولتترك "المطالبات" للآخرين ممن ليس في يدهم القرار.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب