الجمعة 2017/04/14

آخر تحديث: 08:14 (بيروت)

عن حرب تقتلنا في السلم

الجمعة 2017/04/14
increase حجم الخط decrease

أبرز عناصر فولكلور الاحتفال السنوي بالحرب من البوسطة إلى سينفونيات الوحدة الوطنية، شعار ”تنذكر ما تنعاد“. وهذا الشعار، تماماً كحروب الآخرين على أرض لبنان، وُلد من رحم قانون العفو عن جرائم الحرب الأهلية اللبنانية عام 1991. القانون أعفى القاتل، وهذا الشعار يُخفي هويته ويُحيله مجهولاً كامناً في دواخلنا الشريرة. لا فاعل في ذكرى الحرب، فقط آثار التدمير والموت، وتحذير من تكرارها وكأنها وباء وراثي علينا التخلص منه والشعور بالذنب حياله. 

طبعاً، على الحرب ألا تتكرر! لكن خطر تكرارها لا يكمن فينا كمواطنين لبنانيين عشنا ويلاتها، وضقنا ذرعاً بزيف شعارات الميليشيات المشاركة فيها. الخطر الأكبر يرزح في تولي أرباب الحرب الأهلية ومركبي أفظع جرائمها، مناصب حساسة في الدولة، ومراكمتهم ثروات عززت سيطرتهم على طوائفهم، وأنتجت جيلاً جديداً من الأتباع ليكون تحت قيادة الورثة البيولوجيين، الأبناء، أو الأصهرة في حال عدم توافر المولود الذكر.

ومشكلتنا الجذرية في لبنان أن الحرب انتهت بتتويج قادتها زعماء سياسيين في زمن السلم، دون مصارحة واعتراف ومصالحة، ناهيك عن عدالة انتقالية لم يعد أحد يتوقعها. وكان لذلك أثر على شكل السلم، وبذور التهديد المزروعة فيه.

في زمن السلم، تبرز ٣ ظواهر متواصلة لحكم أمراء الحرب اللبنانيين منذ 26 عاماً،  تجاوزت آثار الانسحاب السوري عام 2005. 

أولاً، التخويف من الآخر، صار ركناً في السياسة اللبنانية. ولو تأملنا اليوم الخطاب السياسي المضمر، فإن كل طائفة اليوم محكومة بالخوف من سيطرة أخرى عليها. وهذا ”بساط الريح“ في السياسة، يأخذ صاحبه بعيداً في السيطرة على جمهوره الباحث عن مُنقذ ومُدافع.

ثانياً، السلاح مكسب. السلاح أهم من صناديق الاقتراع في الجمهورية اللبنانية. بناء على الركن الأول لحكم الميليشيات، أي خوف الطوائف من بعضها بعضاً،  فإن التوافق على كل شيء، وهو مهمة مستحيلة حتى في الديموقراطيات العريقة، باتت قضية أمن قومي. وفقاً لهذه القاعدة، فإن حزب الله ملك الميليشيات، تليه أحزاب الحرب الأساسية من كل الطوائف، وهي إن لم تحافظ على بعض القوى العسكرية، استعادت تنظيمها وشعاراتها. هذه التراتبية في السلاح، انتخابات دائمة، أو مفتوحة على الطريقة الاغريقية. بإمكان ملك غابة السلاح أن يقلب الطاولة لو لم تُعجبه.

ثالثاً، من الضروري جداً لهذه الطبقة السياسية أن تجدد طقوس دفن المشروع المدني، كونه مشتركاً بين مكونات المجتمع ومعنياً بالشأن العام.  وهذه الظاهرة تكتسح كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، من تفكيك الحراكات المطلبية والنقابات وارهاب الصحافيين وأصحاب الرأي بالتحقيقات الأمنية والمحاكمات الطويلة والمرهقة، إلى احباط الساعين لايجاد مساحات مشتركة بين الناس. حتى الزواج المدني الاختياري ممنوع.

على بعد أمتار من مبنى البرلمان اللبناني وسط بيروت، تقع خيمة اعتصام لأهالي المفقودين والمخفيين قسراً خلال الحرب الأهلية، وهي منصوبة منذ 12 عاماً. فيها تجتمع كل عائلات الضحايا من شتى الطوائف والملل والأحزاب. مثل هذا الاجتماع العابر للطوائف، والمرتكز على همّ انساني جامع، يقع ضمن خانة المشروع المدني، وينبغي بالتالي دفنه. والحال أن قضية المفقودين والمخفيين قسراً غير عصية على الحل، تقنياً، إذ يُخزّن الصليب الأحمر الحمض النووي لعائلات آلاف المفقودين، من أجل تحديدهم في حال قررت الحكومة اللبنانية السعي جدياً لاقفال الملف بفتح المقابر الجماعية المعروفة منها والمخفية، واستخراج الضحايا منها. لكن هل يفتح السياسيون خزائنهم الحبلى بالهياكل العظمية؟ بالتأكيد لا. الحل يكمن في انتظار وفاة أصحاب الشأن، أي عائلات الضحايا، سيما المناضلات منهم، كي يُقفل الملف نهائياً.

لكن الواقع أن المقابر الجماعية تروي قسطاً يسيراً من تاريخ الساسة اللبنانيين، إذ أننا نعرف جثثاً كثيرة. الكهرباء جثة، وكذلك المالية العامة بدين عام يتضخم، والصحة والنظافة العامة وغيرها الكثير الكثير. هكذا نتذكر الحرب، لأنها تُعاد وتُعاد كلما عمّر أمراؤها في السلطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها