الجمعة 2017/03/10

آخر تحديث: 14:28 (بيروت)

حزب الشاي معكوسًا

الجمعة 2017/03/10
increase حجم الخط decrease

في ذروة الإنشغال الإعلامي بصدمة وصول دونالد ترامب، بكل عدوانيته واعتباطه ومشاجراته، الى البيت الأبيض، وفيما كانت الأنظار شاخصة الى واشنطن لمتابعة الفصول المثيرة لأيامه الأولى في المكتب البيضاوي، محاولة استشراف الحقبة الجديدة وغير المألوفة في الحياة السياسية االأميركية، كانت المدن البعيدة عن واشنطن العاصمة تشهد حراكًا شعبيًا أكثر جدية وابعد اثرًا، ينذر بإنتفاضة انتخابية فيها الكثير من ملامح حركة الإحتجاج ضد رئاسة باراك اوباما عام 2009 والتي انتجت ظاهرة "حزب الشاي" الذي فرض نفسه بسرعة كمحرك رئيس في الحزب الجمهوري.

اتخذ الحراك الإحتجاجي الذي انطلق مع اول عطلة تشريعية للكونغرس، بالتوازي مع حركة الإعتراض العامة التي تمثلت في التظاهرات الشعبية التي شهدتها المدن الرئيسة، شكلًا أكثر تماسًا مع النواب والشيوخ العائدين الى دوائرهم، من خلال اللقاءات الشعبية المفتوحة، التي يعقدونها مع ناخبيهم في تقليد راسخ يهدف الى توفير منبر علني للراغبين في لقاء ممثليهم المنتخبين، الذين يمضون معظم اوقاتهم في العاصمة خلال دورات الإنعقاد، وللتداول في الشؤون العامة وتوجيه الأسئلة حول الأمور التنموية والادارية والمعيشية في الدوائر الإنتخابية.

واجه النواب والشيوخ الجمهوريون في اول اللقاءات التي تعقد بعد تنصيب ترامب، جمهورًا غاضبًا، حوّل تلك اللقاءات من مناسبات رتيبة وروتينية، يقتصر الحضور فيها على بضع عشرات من المواطنين الحزبيين أو المهتمين بالشأن العام، الى حلبات صاخبة أمطرت الممثلين بأسئلة ملحة تعكس حال القلق من رئاسة ترامب، والإمتعاض الكبير من اذعان الحزب الجمهوري صاحب الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه لنزعات ترامب وسياساته الموتورة، واضطر اكثر من شيخ ونائب الى ترك قاعات اللقاءات تلاحقهم صرخات الإحتجاج بعد رفضهم الإجابة على بعض الأسئلة او اعطاء اجوبة ملتبسة، فيما اعلن العديد منهم الغاء اللقاءات المقررة متذرعين بأسباب امنية غير مقنعة.

واذ ذكّر هذا الحراك، بما جرى بعد تنصيب اوباما وانتج "حزب الشاي"، فإن التشابه بينهما يقتصر على الشكل، لأن مضمون الإحتجاج اختلف كليًا. تمحورت الأسئلة التي طرحها المشاركون على ثلاث قضايا بارزة؛ القضية الأولى، والتي فاجأت الجمهوريين تمامًا هي مصير اصلاحات القطاع الصحي التي اجرتها ادارة اوباما لتوفير التأمين الصحي لملايين الأميركيين والمعروفة باسم "اوباما كير" والتي حاربها المحافظون طوال ثماني سنوات ووعد ترامب بالغائها في اليوم الأول لوصوله الى البيت الأبيض، وكانت نقطة تعبوية جذابة في كل الحملات الإنتخابية لهم. وفي غياب اي بديل جمهوري للسياسة الصحية تكررت الأسئلة الملحة من مشاركين اعربوا عن خوفهم من خسارة الضمان الصحي ووضع ملايين المستفيدين منها تحت رحمة شركات التأمين من جديد.

تمثلت القضية الثانية في السلوك النافر لترامب، خصوصًا لجهة امتناعه عن نشر ملفه الضريبي الذي قالت بعض التقارير انه يؤكد ان الملياردير الذي تبجح خلال حملته الإنتخابية بأن ذكي لأنه تهرب من دفع الضرائب، لم يدفع اية ضريبة دخل منذ اكثر من 15 عامًا مستغلًا ثغرة في القانون، وعدم تخليه عن ادارة مؤسساته العقارية والإستثمارية وفق العرف المتبع بوضعها تحت اشراف لجنة مستقلة حتى نهاية عهده لتلافي تضارب المصالح، و كذلك صمت الجمهوريين على ادعاءات ترامب التويترية الكاذبة وهجماته المتكررة على الأجهزة الأمنية والصحافة والمهاجرين. واخيرًا ملف العلاقة الملتبسة مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي يحرص ترامب على الإشادة به، في ظل انكشاف الاتصالات بين اركان حملته الإنتخابية وبين مسؤولين ودبلوماسيين روس. بالإضافة الى قضايا اخرى منها قرارات اضعاف مؤسسات الرقابة البيئية والادارية.

وفي حين سارعت وسائل الإعلام المحافظة الى اتهام المشاركين المعترضين بأنهم من مثيري الشغب المأجورين، أو من انصار الحزب الديموقراطي، وهذا ما تلقفه ترامب واعاد استخدامه في تغريداته، أكدت التقارير الإعلامية التي استطلعت الأمر ان المحتجين ينتمون الى الدوائر التي شاركوا فيها، وان الكثير منهم صوتوا للحزب الجمهوري، وقد ظهر الكثير منهم في مقابلات صحافية وتلفزيونية وابرزوا هوياتهم واماكن سكنهم. ولم ينجح الغاء اللقاءات المقررة في وقف هذا الحراك، حيث عمد آلاف المواطنين الى الحضور الى الأماكن التي كانت مخصصة للقاءات مطالبين نوابهم وشيوخهم بالحضور والتحدث اليهم، وبدأ البعض في تنظيم انفسهم للبحث عن مرشحين بدلاء للدورة الإنتخابية القادمة.

اثار هذا الحراك مخاوف جدية في اوساط الحزب الجمهوري من انتكاسة انتخابية تبدأ في الخريف المقبل، مع الإنتخابات المحلية المقررة في الكثير من الولايات، الا ان الانتخابات النصفية في خريف العام 2018 والتي تشمل مجلس النواب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ، تشكل الهم الأكبر للمحافظين، الذين يخشون من فقدان الأكثرية التشريعية في المجلسين، فيما يأمل الديمقراطيون في تطور الإحتجاج الى ظاهرة أشمل، قبل العطلة التشريعية المقبلة تمنع الجمهوريين من اقرار سياسات ترامب.  

   


 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها