الجمعة 2017/03/10

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

المرحومة خصوصية

الجمعة 2017/03/10
المرحومة خصوصية
increase حجم الخط decrease

”ليس هناك شيء اسمه خصوصية مُطلقة في الولايات المتحدة“. هذا النعي للخصوصية على لسان مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي جيمس كورني، لم يشملنا في هذه المنطقة المنخورة بالانتهاكات، أمنياً وتجارياً. وهذه هوة أخرى بين جنوب الكرة الأرضية وشمالها، تتسع مع تقدم التقنيات، اقتصادياً وحقوقياً. المواطنون يُقاومون التنصت شمالاً، فيما يزداد سُكان الجنوب عُرضة وانكشافاً. 

كلام كورني جاء في مؤتمر عن الأمن السيبراني في مدينة بوسطن، وأعقب فضح ”ويكيليكس“ قائمة طويلة بوسائل تنصت صادمة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي اي آي) وأجهزة الاستخبارات البريطانية، تشمل أجهزة التلفاز والهواتف الذكية وبرمجة السيارات والحواسيب. لكن التسريب والكشف بحد ذاته جزء من لعبة القط والفأر بين أجهزة التنصت من جهة، ومنظمات وصحافيين استقصائيين وجماعات حقوقية تُدافع عن الخصوصية الفردية من جهة ثانية. وللطرف الثاني أنصار داخل الادارات والمؤسسات الأميركية والأوروبية يؤيدون المزيد من الشفافية في عمل الحكومة لضمان حقوق المحكومين. 

وما يجعل الهوة في مجال الخصوصية تتسع بيننا وبين الغرب، أن هناك صحافيين وكتلاً تستغل التكنولوجيا الحديثة لكشف جوانب من عمل الادارات الأميركية والحكومات الأوروبية. ليست تسريبات ”ويكيليكس“ أو ادوارد سنودن من وكالة الأمن القومي الأميركي، وحدها في المقدمة، بل هناك مجهود عام للتخصص في التعامل مع البيانات الضخمة. منظمة المراسلين والمحررين الاستقصائيين تعقد مؤتمرات سنوية للتدرب على التعامل مع قواعد البيانات، وتحليلها واستخدام التقنيات الحديثة المتوافرة للتدقيق في عمل الحكومات. حتى في التنصت غير القانوني، للصحافة الغربية سجل حافل. اتُهمت الصحف البريطانية لا سيما ”نيوز أوف ذا وورلد“ بالتنصت على الهواتف الذكية العائدة للمسؤولين البريطانيين وحتى أعضاء العائلة المالكة.  

وأمام كتلة الصحافة المستقلة والمنظمات المدنية الساعية لمزيد من الشفافية، مجموعة حقوقية صلبة. الاتحاد الأميركي للحريات المدنية المعني بمثل هذه الحقوق، لديه موازنة سنوية بقيمة 133 مليون دولار، ويُواجه قرارات الادارة في أورقة القضاء الأميركي منذ عام 1920. 

والهوة الحقوقية بيننا وبينهم تتسع. بيد أن قوانين الخصوصية في الغرب، والتي تتطلب في أحيان كثيرة أذونات قضائية للتنصت، لا تشملنا هنا حيث بالإمكان الحصول على معلومات خاصة وحساسة دون عناء كثير ولا ملاحقات قانونية من جماعات المجتمع المدني ولا من يحزنون. وستتوافر هذه القدرات التقنية لدى أجهزتنا الأمنية قريباً، بما يجعل جميع المواطنين عُرضة للتنصت دون رقيب ليس فقط من الحكومات، بل أيضاً من جهات تجارية وعصابات.

وهذا انتهاك بدأ بالفعل. على سبيل المثال، معلومات سجلات النفوس، وتحديداً أعضاء عائلة المستهدف أو المستهدفة بالبحث وأعمارهم، وهي ذات طبيعة خاصة جداً، متوافرة بمعظمها على الانترنت. بإمكان الباحث العادي، وبكلفة ضئيلة، الحصول على معلومات تفصيلية مثل أرقام سجلات النفوس وتواريخ الولادة وأسماء الأجداد والأم والأب والزوج والزوجة والأبناء والبنات عن معظم اللبنانيين، وهي مُتاحة على مواقع انترنت بينها ”كاتاغوغي“ على سبيل المثال لا الحصر!

طبعاً، لن تكون هذه المعلومات مفيدة للصحافيين، بما أن الجانب الاستقصائي من مهنتنا توفاه الله قبل الولادة. ولن نرى مزيداً من الشفافية تتحقق بفعل امتلاك الاعلام أو منظماتنا الحقوقية هذه التقنيات. كل ما في الأمر أننا مكشوفون أكثر.

تبدو هذه الأدوات الاكترونية أكثر فأكثر سلاحاً باتجاه واحد، يزيد من تآكل جانبنا الرث أصلاً من عقودنا الاجتماعية الظالمة مع حكامنا. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها