الأربعاء 2017/03/08

آخر تحديث: 23:13 (بيروت)

هكذا تستقيم النسبية

الأربعاء 2017/03/08
هكذا تستقيم النسبية
increase حجم الخط decrease
غداة توقيع اتفاق الدوحة بعد "غزوة" 7 أيار2008، عاد "التيار الوطني الحرّ"، رافعاً شارة النصر بعودة الحق للمسيحيين، إذ اعتبر أن العودة إلى قانون الستين المعدّل هي بمثابة عودة الحق لأصحابه. ظن التيار بأن "قانون الستين" سيضاعف نصره الذي تحقق في التسونامي البرتقالية خلال انتخابات 2005، لكن نتائج انتخابات 2009 أتت على عكس ما تشتهي محادل "التيار".

اليوم، وفي ظل الازدحام الخانق في اقتراحات القوانين الانتخابية، وانعدام التوافق على قانون يرضي الجميع، و"شيطنة" قانون الستين، لا سيما من مريديه السابقين، من المفيد التذكير بمعضلة لبنان مع نظامه السياسي وبأن تعدد طوائفه يشكل نقمة لا نعمة كما يصر البعض على الترداد ليلاً نهاراً.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وإذا كان هناك من مجال للمقارنة، علينا البحث في تجارب الدول "التعددية" التي تعتمد أنظمة الحكم القائمة على أسس ديموقراطية تقاسم السلطة بين الجماعات. وتجربة البوسنة والهرسك مفيدة في هذا المجال. فعوضاً عن رئيس واحد للبلاد، ثمة مكتب للرئاسة، تتم المداورة عليه بين رؤساء ثلاثة، واحد للبوسنيين، وآخر للكروات، وآخر أيضاً للصرب. أما النظام الانتخابي لمجلس الممثلين، المؤلف من 42 مقعداً، فنسبيّ، حيث يقترع الصرب في "جمهورية صرب البوسنة" لـ14 مقعداً، 9 منها موزعة على ثلاث دوائر والخمسة المتبقية على لوائح حزبية. أما في فيدرالية البوسنة والهرسك، فيقترع البوسنيون والكروات لـ28 مقعداً، موزعة بطريقة 21 مقعداً على أساس 5 دوائر انتخابية و7 مقاعد للّائحة الحزبية.

بطبيعة الحال، تجربة البوسنة والهرسك لا تحتذى، فضلاً عن أنها لا تعتمد نظام الدولة المركزية كما هي الحال في لبنان. إذ يُعدّ لبنان تجربة هجينة في الأنظمة السياسية، فهو من ناحية يعتمد النظام البرلماني كما هي الحال في الدول البرلمانية المركزية، ومن ناحية ثانية يوزع مؤسسات الحكم نسبياً بين طوائفه. فعلى سبيل المثال، مجلس النواب قائم على نظام نسبي "ما قبل الانتخابات"، حيث توزع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ونسبياً بين الطوائف. لكن على مستوى النظام الانتخابي، يعتمد لبنان النظام الأكثري. ولكون الطوائف اللبنانية غير موزعة طبقاً لقاعدة جغرافية محددة، وفي ظل وجود خلل واضح على المستوى الديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين، حيث يشكل المسلمون 64% من الناخبين على لوائح الشطب والمسيحيون 36%، فالحفاظ على مبدأ المناصفة، كما يريد "العونيون"، بأن تنتخب المقاعد المسيحية من دون تأثير بقية الطوائف، صعب المنال، إلا في حال إعتماد قانون "اللقاء الأرثوذكسي".

النسبية باتت مطلباً لمعظم القوى السياسية، قولاً. علماً أنها في الحقيقة تُستخدم كسلاح لتخويف "الآخرين" من ناحية، ولتحصيل المزيد من المكاسب في معركة شدّ الحبال على القانون الانتخابي من ناحية ثانية، إضافة إلى كون النسبية تُعتمد لتمثيل مكونات المجتمع كافة. وفي ظل الخلل الديموغرافي سابق الذِّكر، على النظام الانتخابي القائم على أساس النسبية، الانطلاق من مكونات المجتمع الحالية، ومن مبدأ توزيع المقاعد كما ينص الدستور. لذا نعتقد بأن حل معضلة سيطرة الطوائف الكبرى على مقاعد الطوائف الأخرى، لا يتمّ إلا عبر مبدأ فصل النزاع "الأنتر-الطائفي"، عن المقاعد، بطريقة تشابه التجربة "البوسني - هرسكية"، مع إجراء تعديلات جوهرية تتناسب ووضع الدولة المركزية من جهة، والتوزع المناطقي للطوائف من جهة ثانية.

لذا نقترح النظام التالي:

- أولاً، اعتماد نظام نسبي على أساس لبنان دائرة واحدة مع مراعاة الترشح على مستوى الطوائف والمناطق، كما هو معمول به حالياً. الترشح يكون طائفياً وتشكيل اللوائح طائفياً أيضاً، أما الاقتراع للوائح فيكون لجميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم. ويتمّ ذلك عبر إلزام القوى السياسية والطائفية الراغبة في الترشح، بأن تعلن الطائفة التي تترشح عنها، خطياً، لدى تشكيل اللائحة، وبالتالي يكون لها الحق في التقدم بلائحة واحدة بعدد مقاعد الطائفة التي ترغب في تمثيلها. مثلاً "حزب الله" و"حركة أمل" يعلنان ترشحهما عن الطائفة الشيعية، وبالتالي يحق لهما تشكيل لائحة واحدة مؤلفة من 27 مقعداً بعدد مقاعد الطائفة الشيعية لا غير، أو تشكيل لوائح منفردة بعدد مقاعد الطائفة الشيعية فقط.. وهذا يسري على القوى كافة.

- ثانياً، جعل المقعد الوحيد التابع للأقليات، للطائفة السريانية.

- ثالثاً، استحداث 6 مقاعد للأقليات اللادينية، بعدد المحافظات التاريخية، بعد احتساب محافظة جبل لبنان كمحافظتين. إذ أن أياً من القوانين المطروحة لا يراعي وجود فئة كبيرة من اللبنانيين الذين لا يشاركون في الانتخابات، تماشياً مع اعتقادهم المسبق بعدم جدوى أصواتهم في إحداث التغيير الذي يريدونه.

- رابعاً، يسري على القوى السياسية والمدنية التي تريد الترشح لهذه المقاعد، ما يسري على القوى السياسية التي تترشح للمقاعد المخصصة للطائفة.

- خامساً، للناخب حق الاقتراع للائحة واحدة، من ضمن اللوائح التي تتقدم لخوض الانتخابات، بمعزل عن طائفته.

هذا النظام يشبه نظام "اللقاءالأرثوذكسي"، على مستوى الترشح وتشكيل اللوائح، لكنه في الوقت ذاته، يعطي اللبنانيين حق الاقتراع لبقية اللوائح الطائفية أو غير الطائفية (6 مقاعد). بطبيعة الحال هو اقتراح غير مثالي للخروج من معضلة النظام اللبناني، لكنه سيخفف حتماً، النزاع بين الطوائف، وينقل المعارك الانتخابية إلى داخل الطوائف نفسها. كما أنه يمنح المواطن حق الاختيار من بين مختلف الخيارات، الطائفية أو غير الطائفية. على أمل ألا نصل مستقبلاً إلى نزاعات على القانون الانتخابي، تشبه النزاعات "البوسني - هرسكية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها