الأحد 2017/03/05

آخر تحديث: 09:05 (بيروت)

تفعيل الاقتتال الكردي - الكردي

الأحد 2017/03/05
increase حجم الخط decrease

كان كاتب هذه السطور توقع في مقال الأسبوع الفائت، أن تكون سيطرة الأتراك على مدينة الباب، باباً لمنعطفات دراماتيكية في المشهد السوري. وقد كان ذلك. إذ تجلت في الأيام القليلة الفائتة، جملة منعطفات، أضافت خلطاً جديداً لأوراق موازين القوى والتحالفات في تلك البقعة المحدودة من الجغرافيا السورية.


أول تلك المنعطفات، حصول نقلة نوعية على صعيد تعاون ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مع نظام الأسد، وحليفه الروسي. تلك النقلة النوعية تمثلت بمفاجأة تسليم أراضٍ تسيطر عليها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، بين منبج وريف الباب، لقوات الأسد، برعاية روسية.


وبطبيعة الحال، لا يمكن إيجاد تأويلات مختلفة لتلك الخطوة الميدانية. إذ أن هناك تفسيراً وحيداً، جلياً للجميع، هو أن تلك الخطوة هدفها خلق حاجز ميداني في وجه قوات "درع الفرات" المدعومة تركياً، يمنعها من التقدم باتجاه منبج، الخاضعة لسيطرة الاتحاد الديمقراطي الكردي.


الحاجز الميداني الجديد، الذي أُنشئ على عجل، باتفاق "كردي – أسدي"، برعاية روسية، يضع الأتراك أمام معضلة، وهي أن محاولة اختراق هذا الحاجز المكوّن من قوات النظام والميليشيات الداعمة له، قد يصطدم برد فعل روسي، بعد أن باتت المنطقة خاضعة لنفوذ هذا الطرف، فعلياً.


لكن الرد التركي لم يتأخر. إذ تحركت، في بادرة غير معتادة، ميليشيا كردية أخرى، مدعومة من قبل زعيم إقليم "كردستان العراق"، مسعود البرزاني، الحليف لتركيا. ميليشيا "البيشمركة السورية"، كما تُدعى، على غرار نظيرتها، "البيشمركة العراقية"، التابعة للبرزاني، تقدمت نحو مواقع قريبة من الحدود السورية – العراقية، وقررت التمركز فيها، مما أوحى بنيتها التقدم صوب عمق الأراضي السورية.


ونُذكّر أن ميليشيا "البيشمركة السورية"، تأسست كذراع عسكري، للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري، وهو نواة المجلس الوطني الكردي المنضوي ضمن الائتلاف السوري المعارض. وتم تدريب تلك الميليشيا في إقليم "كردستان العراق"، برعاية البرزاني، وبتنسيق مع تركيا.


تحرك "البشمركة السورية"، سرعان ما استفز الموجّه والمدير الحقيقي، لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية". ونقصد، حزب العمال الكردستاني. الذي تحركت قواته، علناً، واشتبكت مع قوات "البشمركة السورية"، بعد رفض الأخيرة الانسحاب من المواقع الجديدة التي تمركزت فيها، قرب الحدود السورية – العراقية.


ونشير هنا، إلى أن المنطقة التي تمركزت فيها قوات "البشمركة السورية"، على الحدود السورية – العراقية، تواجه مدينة الشدادي، جنوب الحسكة السورية. وهي المدينة التي انتزعتها "قوات سوريا الديمقراطية" من تنظيم "الدولة الإسلامية"، في شباط الماضي.


بكلمات أخرى، أدخل الأتراك على لوحة الصراع المعقّدة في الشمال السوري، عنصراً جديداً. أو بكلمات أدق، تم تفعيل هذا العنصر الذي كان يتم العمل على تجهيزه منذ سنوات. فالعنصر الجديد، كردي، ويمثل مصالح فئة من الأكراد، السوريين والعراقيين، المناوئين، لفئة أخرى من الأكراد السوريين والعراقيين أيضاً.


وكي نفهم أكثر جوانب في لوحة الصراع المعقّدة تلك، علينا أن نذكر أن حزب العمال الكردستاني، الذي تقيم قيادته في جبال قنديل الوعرة، بين العراق وتركيا، يحظى بعلاقات تنسيق وطيدة مع إيران. وبذلك، نستطيع أن نتفهم لماذا يتم التنسيق بسيولة وسلاسة عالية، بين الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبين نظام الأسد، وحليفه الروسي.


بكل الأحوال، ازداد تعقد لوحة الصراع في الشمال السوري. وبدأت نُذر صراع كردي – كردي، مسلح، في شمال سوريا، تلوح في الأفق.


تلك حقيقة دفعت مسؤولاً عسكرياً أمريكياً إلى توصيفه بعبارة، "ثلاث قوى وعدو واحد متواجدون في مساحة واحدة، وهذا أمر صعب ومعقد للغاية". وبهذا الصدد، أقرّ متحدث باسم "البنتاغون"، وجود اتفاق بين ميليشيا "سوريا الديمقراطية"، وبين نظام الأسد وروسيا، تم بموجبه تسليم قرى وبلدات للطرف الأخير.


وأوحى المتحدث العسكري الأمريكي، بمخاوف واشنطن من أن يحصل اقتتال بين الأطراف الموجودة في شمال سوريا. مشيراً إلى أن هدف واشنطن، "دحر تنظيم الدولة قبل كل شيء"، وليس أن تتقاتل تلك الأطراف في ما بينها.


ما هي السيناريوهات التالية، المُرتقبة؟.. هي سيناريوهات متعددة، أقلها احتمالاً، أن تواجه تركيا نظام الأسد، في محاولتها للوصول إلى منبج، لأن ذلك قد يعني حصول صدام تركي – روسي. لذا، فالسيناريو التركي البديل، الأول، الذهاب قدماً في تفعيل العنصر الجديد الذي دخل إلى لوحة الصراع المُعقدة، ونعني ميليشيا "البيشمركة السورية"، وما يعنيه ذلك من احتمالات تفعيل الاقتتال الكردي – الكردي.


لكن، للأتراك، بطبيعة الحال، سيناريوهات بديلة أخرى، كالتوجه نحو تل رفعت وعفرين غرباً. ومن السيناريوهات الأخرى التي تم الحديث عنها جدياً، أيضاً، تفعيل ميليشيا جديدة من المقاتلين السوريين والأكراد، من أبناء محافظة الحسكة، للدخول إلى شمال سوريا، من بوابة مدينة تل أبيض، وهو ما يعني خوض غمار مواجهة مباشرة في عمق مناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي الكردي هناك.


كل هذه السيناريوهات، بطبيعة الحال، حصيلتها واحدة، على الأغلب، وهي تأخير معركة "السيطرة على الرقة". الأمر الذي سيعزز تعقيدات المشهد بالنسبة للأمريكيين، الذين عليهم أن يختاروا حليفاً واحداً، من ثلاثة حلفاء متنازعين، يدعي كل طرف منهم، أنه الأقدر، والأحق، بإدارة معركة "السيطرة على الرقة". وتبقى مآلات المشهد في الشمال السوري مرتبطة بقرار الإدارة الأمريكية الجديدة، مع من ستتحالف في شمال سوريا؟.. هذا القرار لن يحسم مصير شمال سوريا، برمته، فقط، بل قد يحسم مصير التطورات المرتقبة في المشهد السوري، الميداني والسياسي، بكاملها، خلال السنوات الأربع القادمة.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها