الثلاثاء 2017/03/28

آخر تحديث: 19:33 (بيروت)

هيئة التنسيق الوطنية والثورة

الثلاثاء 2017/03/28
increase حجم الخط decrease

مع أن هيئة التنسيق الوطنية قد أُسست بتاريخ 25/6/2011، أي بعد انطلاق ثورة الحرية والكرامة بأكثر من ثلاثة أشهر، فإنها شُكلت من قوى وشخصيات سياسية من المعارضة التقليدية دون إشراك ممثلي قوى الثورة وحواضنها الاجتماعية. ومازاد الطين بلة أنها إنبرت تتحدث باسم الثورة وكأنها مطلقتها أو تم تكليفها بذلك من قبل قواها، حيث جاء في بيانها التأسيسي الذي أعلن يوم 30/6/2011 "كما التزمت الانتفاضة وقوى المعارضة الوطنية الديمقراطية برفض التدخل الخارجي الذي يلحق أضراراً بالسيادة الوطنية أو بوحدة التراب الوطني أو الشعب السوري، وأكَّدت على الطبيعة الوطنية الشاملة للانتفاضة، وأنها لا تمثل تحركا فئويا أو توجها لاستهداف فئة بعينها في المجتمع السوري، وثبَّتت مبدأ العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، كناظم لمعالجة أية خصومات بين السوريين وإزالة آثار الغبن الذي تراكم خلال عقود جراء سياسات النظام الاستبدادية"، ووضعت لها برنامجا سياسيا حددت فيه مطالبها (الثورة) من "وقف الخيار الأمني–العسكري"، إلى "الإقرار بضرورة إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تمثل عنوان الاستبداد"، مرورا بـ : "وقف الحملة الإعلامية المغرضة ضد انتفاضة شعبنا" و "الإفراج عن جميع الموقوفين منذ انطلاقة الانتفاضة، وعن جميع المعتقلين السياسيين قبل هذا التاريخ" و "تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من عدد من القضاة والمحامين النزيهين للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن القتل وإطلاق النار على المتظاهرين" و "رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية" و "الاعتراف بحق التظاهر السلمي"، و "تشكيل هيئة وطنية للمصالحة ورد المظالم من أجل التعويض المادي والمعنوي على شهداء الانتفاضة الشعبية والمتضررين من العنف، ومن أجل الكشف عن المفقودين السوريين والتعويض على المعتقلين السياسيين وضحايا الاضطهاد السياسي والإحصاء الاستثنائي، وتسوية أوضاع العاملين المصروفين تعسفيا من الخدمة"، و "إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإعادة تأهيلها كي لا تكون أجهزة فوق القانون ومصدراً للانتهاك المستمر لحقوق المواطن والمجتمع"، و "تمكين المرأة من نيل كافة حقوقها وتوظيف طاقاتها في التنمية الاجتماعية وتذليل العقبات التي تمنعها من ذلك"، و "تنظيم الحياة السياسية عبر قانون ديمقراطي عصري للأحزاب السياسية، وتنظيم الإعلام والانتخابات البرلمانية وفق قوانين توفر الحرية والشفافية والعدالة والفرص المتساوية"، و "احترام حقوق الإنسان والالتزام بجميع الشرائع الدولية المتعلقة بها"، و "إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضا وشعبا، والعمل معاً لإقراره دستوريا"، و "ضمان حرية الجماعات القومية في التعبير عن نفسها"، و "تحرير المنظمات والجمعيات والاتحادات والنقابات المهنية من وصاية السلطة والهيمنة الحزبية والأمنية، وتوفير شروط العمل الحر والمستقل لها". وحددت طبيعة النظام المنشود: نظام برلماني سياسيا وليبرالي اقتصاديا. ناهيك عن الدعوة إلى التفاوض مع النظام. فعلت ذلك دون التشاور أو الاتفاق مع الثوار.

وهنا يمكن إبداء ملاحظتين أوليتين على سلوك القوى المؤسسة للهيئة، الأولى أن مطالب البيان محقة لكنها قديمة كانت أحزاب المعارضة السورية، العربية والكردية، قد تبنتها في العقود الثلاثة الماضية وقد أعيد طرحها دون إضافة أو تطوير أو تغيير وكأن ليس في البلاد ثورة تفرض التفكير والتحرك بدلالتها. ثانيتها، وهي الأهم والأخطر، أنها لم تُطرح فقط دون تشاور أو اتفاق مع قوى الثورة بل واعتُبرت برنامجا للثورة، وفق ما ورد في نص "عهد الكرامة والحقوق" الذي قدّم إلى اجتماع للهيئة في دمشق يوم 17/9/2011 وتضمن مبادئ لتصور سياسي للنظام السوري الجديد حيث جاء:"لذا نتعاهد، نحن الموقعين أدناه أفرادا وجماعةً، على الالتزام بالعمل على إرساء النظام الجمهوري الجديد على الأسس التالية التي نتبنّاها على أنّها أهداف للثورة المدنية الشبابية السلمية".

لم تكن الملاحظتان السابقتان نقطة ضعف "الهيئة" الوحيدة بل هناك نقطة أشد خطورة بحيث يمكن اعتبارها "كعب آخيل" بالنسبة لها، ألا وهي: التباين بين القول والعمل. لعل أول تجليات هذا التباين ما ورد في بيانها التأسيسي حول قيم الحرية والعدل والمساواة وانطلاقها، في الوقت نفسه، من اعتبار وثيقتها نهائية غير قابلة للمراجعة أو التعديل أو التغيير حيث قالت في بيانها المذكور:"وتعمل الهيئة على إشراك بقية القوى السورية المستعدة لتوقيع الوثيقة في عضويتها لمواجهة الأوضاع الراهنة المعقدة في البلاد في مرحلة الانتقال من النظام الديكتاتوري الحالي إلى النظام الديمقراطي المنشود"(في واقعة ذات دلالة على ذهنية الاستحواذ لدى قيادة الهيئة ما جاء في رد منسقها العام الأستاذ حسن عبدالعظيم على الدعوة التي وجهت إلى الهيئة من لجنة تحضير مؤتمر اسطنبول للمشاركة في تشكيل "المجلس الوطني السوري" بقوله: ليش ما تلتحقوا انتو فينا نحنا تشكلنا قبلكم). وثانيها اعتبارها الجيش السوري الحر جزءا أساسيا من الثورة واعترافها بدوره في حماية المدنيين(نائب المنسق العام ورئيس الهيئة في المهجر الدكتور هيثم مناع  عبّر عن موقف مغاير حيث واصل الحديث عن الجيش السوري الحر بسلبية عالية إلى حد تسميته له بالجيش "الكر")، ورفض الدعوة إلى تسليحه(عادت الهيئة وتبنت الدعوة إلى تسليحه وفق ما جاء في تصريح المنسق العام في موسكو يوم 17/4/2012). وثالثها تبني التغيير الديمقراطي دون المطالبة بإسقاط النظام، اعتمدت صيغة ملتبسة: إسقاط النظام الأمني. ورابعها تبني مطالب الثورة ورفع علم النظام. وخامسها قبول مبدأ حماية المدنيين من قبل الجيش السوري الحر ورفضها حماية دولية رغم فشل الأول في تحقيق الحماية وارتفاع عدد الضحايا بشكل كبير. وسادسها تبني مبدأ الانفتاح على كافة القوى السياسية والمجتمعية والشخصيات الوطنية، وفق ما ورد في بيانها التأسيسي، وهجومها الإعلامي على "المجلس الوطني السوري" والترويج لأطروحة النظام حول معارضة الداخل ومعارضة الخارج واتهام الأخيرة بالعمالة. وسابعها تبني دعم الثورة والاكتفاء بالدعم الكلامي. وثامنها رفض التدخل الخارجي والتواصل مع الدول التي تدخلت لدعم النظام(روسيا الصين وإيران). وتاسعها تبني وحدة المعارضة والعمل على تمزيقها بالعمل على تشكيل بديل "للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" عبر المشاركة بدفع روسي وغطاء مصري في مؤتمري القاهرة وتشكيل مابات يعرف بعد ذلك بمنصة القاهرة، التي كشف دورها في إضعاف وفد المعارضة في محادثات جنيف الهدف من تشكيلها. وعاشرها تبني خيارات الثورة والتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يتبني طروحات مغايرة وبعيدة عنها. وآخرها تبني خيارات الثورة والمراهنة على نظام السيسي الذي كشف عن موقفه المعادي لثورات الربيع العربي وللتغيير الديمقراطي.

لم يغير دخول "الهيئة" في حوار مع "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، ومشاركتها في تشكيل "الهيئة العليا للمفاوضات" كثيرا في سلوك قيادتها حيث بقيت تتحدث وتتصرف باعتبارها "أم الولد"، تعلن مواقف وتتخذ خطوات، مثل عدم الانسحاب من المفاوضات مع النظام تحت أي ظرف، والدعوة إلى عقد مؤتمر وطني في دمشق، لا تخدم التصور الذي تبنته "الهيئة العليا للمفاوضات" للحل وتقيد قدرتها على المناورة، وكأنها تعمل لفرض تصورها للحل الذي يتقاطع مع موقف النظام وحلفائه بنسبة أو أخرى.

إن قراءة مدققة لمواقف وممارسات قيادة "الهيئة" المنطلقة من إستراتيجية دعم الثورة، التي تنطوي على تحاشي الانخراط فيها، ستدفع إلى تشكّل انطباع مفاده رغبة هؤلاء في لعب دور دون دفع ثمن مباشرة بحيث يكونون داخل المشهد وخارج الصراع في آن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب