السبت 2017/03/18

آخر تحديث: 23:16 (بيروت)

سوريا والهلال النفطي الليبي

السبت 2017/03/18
increase حجم الخط decrease

فيما تتواصل التطورات الدراماتيكية في ليبيا، بما يُوحي بتغير في قواعد اللعبة هناك، تشهد سوريا تطوراً ربما يستحق وصفه بـ "الدراماتيكي"، كونه قد يعني تغيراً جديداً في قواعد اللعبة على خط الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله ونظام الأسد.

فتحرك ما يسمى بـ "سرايا الدفاع عن بنغازي"، وسيطرتها على الهلال النفطي الليبي، وانتكاسة اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، على تلك الجبهة، وما تلاه من حديث "دبلوماسي" أمريكي عن تواجد عسكري روسي مباشر، في مصر، على الحدود مع ليبيا، يؤكد أن الروس عازمون بجدية على توسيع رقعة نفوذهم في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يبدو فيه أن الأمريكيين بدأوا يستاؤون من تفاقم النفوذ الروسي، بالتزامن مع تحرك نوعي لبعض حلفاء أمريكا التقليديين، الداعمين لـ "سرايا الدفاع عن بنغازي".

في مؤتمر بحثي دولي، عُقد منذ أيام في موسكو، برعاية مركز أبحاث روسي، وحضره باحثون من الشرق الأوسط وبعض دول الغرب، وباحثون روس، نقل الكاتب الفرنسي الشهير، آلان غريش، جملة من قناعات مهندسي السياسة الروسية، الذين تحدثوا بصراحة في كثير من الجوانب، خلال هذا المؤتمر.

من تلك القناعات التي تعنينا، أن روسيا ترى أن عهد "ما بعد الغرب"، قد بدأ فعلاً، وأن الشرق الأوسط ميدان أساسي لإعادة ترتيب العالم، وأن الروس يريدون تشكيل أكبر رأس مال ممكن لهم، فيه، بما يضمن الاعتراف بهم كقوة في الساحة الدولية.

هكذا يمكن أن نفهم الاندفاعة الروسية في سوريا، والآن في ليبيا، وصولاً إلى إرسال عسكريين روس إلى الأراضي الليبية، بتنسيق مع مصر.

لكن المسؤولين والباحثين الروس، الذين أصروا على أن الميدان هو من سيحكم شكل العالم الجديد، أقروا بأن "قسطاً من المستقبل يتحدد في البيت الأبيض". لذلك عنوّن آلان غريش مقاله الذي رصد فيه أجواء المؤتمر البحثي في موسكو، بعنوان لافت، وذكي، "موسكو عاصمة الشرق الأوسط في انتظار ترامب".

في المؤتمر ذاته، ألمح أحد الباحثين الروس لـ آلان غريش، خلال "دردشتهم البحثية"، بأن أخطر ما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط، حسب الباحث الروسي، "أن تنطلق إدارة ترامب في نزاع ضد إيران عبر إسرائيل".

ربما لم يتأخر التصديق لمخاوف الباحث الروسي، ففي اليومين الماضيين، حدث تطور لافت على صعيد غارات إسرائيل التقليدية داخل الأجواء السورية. إذ أطلقت الدفاعات الجوية التابعة للنظام، صواريخ مضادة للطيران، لأول مرة، بعد عشرات من الغارات الإسرائيلية التي كادت تتحول إلى روتين، من دون أي رد من النظام، خلال السنوات القليلة الماضية.

إسرائيل أقرت بتعرض طائراتها لملاحقة صواريخ مضادة للطائرات. ونفت ما قاله بيان لجيش النظام السوري عن إسقاط طائرة إسرائيلية وإصابة أخرى، مؤكدة أن الطائرات الإسرائيلية عادت جميعها بسلام إلى قواعدها، وأن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعاملت بنجاح مع صواريخ النظام السوري.

وبغض النظر عن التفاصيل، التي تُوحي بصدقية الرواية الإسرائيلية، فإن مجرد إقرار الإسرائيليين باستهداف طائراتهم بمضادات طائرات من جانب النظام السوري، يمثل تطوراً لافتاً، يحمل، إن تم ربطه بجملة تطورات أخرى، رسالة عميقة المعاني.

يذهب الكثيرون من المراقبين السوريين، المعارضين لنظام الأسد، إلى أن تلك الحادثة، وإقرار إسرائيل بها، هي مجرد مسرحية جديدة لتأكيد حالة "الممانعة والمقاومة" التي يتصف بها محور الأسد – حزب الله، وذلك بتنسيق مع إسرائيل نفسها.

لكن هذا الفريق من المراقبين، نفسه، يقرّ بأن هذه المسرحية باتت غير ذات معنى، وغير ذات تأثير. الأمر الذي يدفع إلى توصيف أطراف المسرحية، نظام الأسد – حزب الله – إسرائيل، بالهزلية، إن كانوا قد قاموا بالفعل بهذه المسرحية بغاية إقناع جمهور "النظام وحزب الله"، بصدقية "ممانعتهم" لإسرائيل.

لكن بعيداً عن هذا التفسير، يمكن رصد تفسيرات أخرى أكثر عمقاً. فأن تأتي هذه المواجهة المحدودة بعيد أيام من انتهاء زيارة بنيامين نتياهو إلى موسكو، بالتزامن مع تطورات المشهد في ليبيا، وتسريب دبلوماسي أمريكي، تحديداً، لوكالة أنباء، تأكيداً بأن الروس يتدخلون بشكل مباشر في ليبيا، بتسهيل من مصر. كل ذلك، يربط التطور الأخير على خط الاشتباك بين نظام الأسد – حزب الله – إسرائيل، بمجمل التطورات الإقليمية.

في خضم ذلك، مرّ خبرٌ قالت فيه "يديعوت أحرنوت"، إن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، استدعى السفير الإسرائيلي في موسكو، على خلفية الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على شمالي سوريا. والتي قِيل بأن الجيش الإسرائيلي شنها على مواقع تابعة لحزب الله اللبناني.

هل يعني ما سبق أن مخاوف الروس من أن يدعم الأمريكيون نزاعاً إيرانياً – إسرائيلياً في سوريا، قد بدأت تتحقق؟

لكن لماذا قد يدفع الأمريكيون بنزاع إيراني – إسرائيلي في سوريا؟.. الجواب قد يكون، بهدف حشر روسيا في خانة ضيقة، وتخييرها بين التعاون مع الغرب، وإسرائيل، وبين التعاون مع إيران.

بالعودة إلى المؤتمر البحثي المنعقد في موسكو، قبل أيام، وما نقله آلان غريش من "دردشة بحثية" دارت بين أروقته، نشير إلى قراءة روسية لدور موسكو في جنوب سوريا. فروسيا ترى نفسها الضامن لمنع حصول اشتباك إيراني – إسرائيلي، على جبهة جنوب سوريا. بمعنى آخر، تحاول روسيا ترسيم قواعد للعبة كي تضبط معها توازنات القوى والنفوذ، وتكون هي الضامن لها. وبذلك تضمن لنفسها موقعاً مهيمناً على الإقليم، وضابطاً لصراعات أقطابه الرئيسيين. لكن ما حدث خلال الغارة الإسرائيلية الأخيرة، ربما يعني أن الروس فشلوا في تثبيت قواعد اللعبة التي يحاولون فرضها. وهكذا، ربما نكون مقبلين في الفترة القادمة على توتر قد يغير قواعد اللعب في مثلث (سوريا – إسرائيل – حزب الله). وهنا، نشير إلى أن تغير قواعد اللعبة بما يهدد أمن إسرائيل، قد يعني، تهديد استمرار نظام الأسد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها