الأربعاء 2017/03/15

آخر تحديث: 19:56 (بيروت)

المسلمون الروس والحرب السورية

الأربعاء 2017/03/15
increase حجم الخط decrease

النقاش الدائر في لبنان هذه الأيام ، والذي إستثاره كلام البطريرك الماروني حول مشاركة حزب الله في الحرب السورية ، يشبه كثيراً النقاش الدائر في روسيا حول مشاركة روسيا في هذه الحرب وجدواها في الحؤول دون ارتداد الإرهاب إليها .  ومع استحالة المقارنة بين مشاركة الطرفين في الحرب السورية ، إلا أنهما تشابهاً في الإستناد إلى الحجة عينها في تبرير هذه المشاركة : نذهب إلى محاربة الإرهاب في أوكاره ، قبل أن يرتد إلينا في ديارنا . وإذا كانت روسيا تستطيع أن تفاخر ، محقة أم لا ، بانتصارات كثيرة في سوريا ، إلا أن الكرملين لا ينسى الشعارات ، التي كُتبت بالروسية على الجدران في سوريا ، "اليوم سوريا وغداً روسيا ، إيها الشيشان ، ايها التتار، إنهضوا" و "بوتين ، سنصل إليك في قصر الكرملين ، التوقيع: فيلق القفقاز". صحيح ، أن الكرملين أفاد من هذه الشعارات في تدعيم حجته هذه في الشارع الروسي ، إلا أن قصر النظر وحده ، كما تقول المعارضة الروسية ، يجعل الكرملين لا يرى كل النتائج المترتبة على انخراطه في المقتلة السورية ، وما تحمله هذه الشعارات من مخاطر جدية بالنسبة لروسيا .

فالحرب الروسية في سوريا ، وخلافاً للحرب الروسية السابقة في أفغانستان ، قد ساعدت في تعميق الوعي الذاتي الديني لدى مسلمي روسيا ، الذي كان قد بدأ يتشكل خلال الحروب الشيشانية ، ولم يبرز أثر له خلال الحرب الأفغانية . وفي دراسة ، أعدها مركز كارنيغي في موسكو السنة الماضية ، يقول إمام أحد المساجد في مدينة روسية تترية ، إن مسلمي روسيا "يتلون الأدعية من أجل المسلمين في سوريا ". وتنقل الدراسة عن الأجهزة الأمنية الروسية ، أن ثلث مسلمي روسيا يقفون ضد السياسة الروسية في سوريا . وقد اصطدم المسلمون الروس بواقع ، أن بلادهم تقف ، عملياً ، إلى جانب الشيعة ضد السنة . وقد شكل هذا الواقع عامل توتر إضافي لدى المسلمين الروس ، ومن يقصد منهم الشرق الأوسط ، فهو لا يذهب للقتال من أجل الإسلام فحسب، بل من أجل القتال ضد"العدوان الشيعي"، وفق الدراسة .

لقد أدت المشاركة الروسية في المقتلة السورية إلى دفع المجتمع الإسلامي الروسي إلى "مستوى معين من الأصولية" ، في ظل إعتراف رسمي بعدم فعالية الأجهزة الأمنية الروسية في مجابهة الإرهاب، حسب الدراسة . ويقول المدعي العام الروسي يوري تشايكا ، أن المحققين الروس " لا يدققون في الكشف عن مصادر تسليح العصابات ومدها بالذخيرة والمتفجرات ، وكذلك قنوات تمويلها ". وقد أدى هذا "المستوى المعين من الأصولية" إلى إرتفاع خطر الهجمات الإرهابية ، التي لا تنحصر أهدافها في شمال القفقاز وتتارستان ، بل وقد تشمل موسكو ، أيضاً ، وفق ما تقوله الأجهزة الأمنية الروسية ، حسب الدراسة . وتستند هذه الأجهزة في ما تقوله إلى الفيديو ، الذي بثته "الدولة الإسلامية "وهددت فيه روسيا "ببحر من الدماء"، وصورت معالم موسكو المعروفة ، بما فيها مسجد قازان الكبير.

كما ليس من تفسير آخر غير هذا "المستوى المعين من الأصولية"، للهجمات المسلحة التي تعرضت لها دوريات للشرطة في مدينة غروزني ، عاصمة الشيشان، ليل 17 – 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي . وكان موقع "On kavkaz" الروسي، قد وصف هذه الهجمات في حينه ، بأنها " إنتفاضة شيشانيين بعمر18 سنة ضد قاديروف" ، وأشار إلى سقوط 15 شخصاً خلالها ، بين قتيل وجريح. وقال الموقع ، بإن الخبراء يجدون صعوبة في الإجابة عن السؤال عن السبب الذي دفع هؤلاء الشبان إلى شن هجوم مسلح بقيت بعده الشيشان بأسرها ، وليس غروزني وحدها ، في حال من الصدمة .

ولم تكن هذه الهجمات على مواقع شرطة مدينة غروزني هي الوحيدة ، التي شهدتها الشيشان في الأشهر الماضية. فقد ذكر الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ، على موقعه الرسمي في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، أن إثنين من أفراد الشرطة وثلاثة من الإرهابيين المفترضين قد قتلوا خلال عملية خاصة للشرطة في مدينة شالي الشيشانية . ويؤكد قاديروف ، أن القتلى الثلاثة كانوا بقيادة أحد ابناء مدينتهم الذي انضم إلى صفوف "الدولة الإسلامية"، ويعمل ، من خلال الأنترنت، على تجنيد متطوعين جدد في صفوف “ الدولة الإسلامية ". وكان قد سبق هذه العملية إشتباك في المدينة نفسها ، وقع في 19 كانون الثاني/يناير الماضي بين الشرطة ومسلحين ، سقط خلاله اثنان من أفراد الشرطة واثنان من المواطنين المدنيين.

واللافت في عمليات مدينة شالي المذكورة ، أن السلطات الشيشانية لجـأت إلى معاقبة ذوي الإرهابين على جريمة أبنائهم ، وذلك بطردهم من منازلهم وترحيلهم إلى خارج جمهورية الشيشان . وقد دفع هذا الأمر موقع Gazeta.ru المعروف إلى نشر مقالة بعنوان " الآباء الشيشانيون يقاصصون عن ابنائهم" ، تصدرتها لوحة لفنان روسي اسمها "التهجير" ، لا تذكر سوى بالمشهد السوري اليومي . ونقل الموقع عن الخبير الروسي  بافل باناماريوف قوله ، بأن تهجير الناس الأبرياء بسبب مثل هذه الأحداث،"سوف يزيد التوتر في الشيشان ولن يخفضه" . ويقول هذا الخبير، بأن الأمر ليس طبيعياً ، ومثل هذه القواعد لا توجد في أي مكان آخر في روسيا ، سوى في الشيشان ، "ومن المعروف لدينا منذ زمن بعيد، أن الشيشان تعمل خارج الحقل القانوني لروسيا". ويقول باناماريوف ، بأنه تحدث إلى شيشانيين وقالوا له ، بأن "الوضع هناك يمكن أن ينفجر في اية لحظة ".

لقد أعقبت العمليات المذكورة هذه حملة مداهمات واعتقالات واسعة ، شملت حتى تلامذة الصفوف الأخيرة من المرحلة الثانوية في الشيشان للإشتباه بانتمائهم إلى" الدولة الإسلامية" ، حسب ما أوردته صحيفةnovaya”" المعارضة في 12 من الشهر الجاري في مقالة بعنوان "حرب الأطفال". وتشير الصحيفة إلى أن أعداد المعتقلين بلغت أرقاماً تشير إلى أن "العدوى تتفشى، وتدابير الأجهزة الأمنية قليلة الفاعلية".

وتقول الصحيفة، بأن الموضوع السوري، ليس دائم الحضور في حياة الشيشانيين اليومية فحسب، بل ويتزايد جمهوره توسعا ًبين صغار الشيشانيين . وقد اتخذت ، لأول مرة ، خلال حملة الإعتقالات الأخيرة ، إجراءات قمعة قاسية بحق قاصرين من تلامذة مؤسسات التعليم الأسلامية ، التي "ظهرت بكثافة" في الجمهورية خلال السنوات الأخيرة . ويتلقى الشيشانيون اليوم التعليم الديني قبل التعليم الدنيوي وبحجم أكبر بكثير . ومن المحتمل كلياً ، أن يكون هذا الواقع هو، الذي يدفع الشيشانيين إلى الإهتمام المتزايد بالجانب الديني من الصراع السوري ، ومن ثم بالجوانب الأخرى منه. ويتكفل الإنترنت ، وفق الصحيفة، بتلبية هذا الإهتمام ، سيما أن بروباغندا "الدولة الإسلامية تتوجه ، بالدرجة الأولى، إلى مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي. ويمكن للعامل الديني أن يفسر ذلك التنوع الإجتماعي بين المعتقلين، والذين كان من بينهم"عدد ليس بقليل من أبناء رجال الشرطة والموظفين " .

وتختتم الصحيفة مقالتها بالإشارة إلى "غرافيتي" ، ظهر في شباط/فبراير 2015 ، على أحد الجدران في بلدة الزعيم الشيشاني رمضان قاديروف نفسه،"خوسيه يورت" ، يصور علم "الدولة الإسلامية" الأسود مع كتابة بالإنكليزية تقول : ""خوسيه يورت" تدعم "الدولة الإسلامية"" .





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها