الثلاثاء 2017/03/14

آخر تحديث: 14:52 (بيروت)

اقتراح باسيل.. يا محلا قانون الستين!

الثلاثاء 2017/03/14
اقتراح باسيل.. يا محلا قانون الستين!
لمَن يقترع مثلاً نحو ألفي ناخب سني في كسروان؟ (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
بعد شيطنة قانون الستين الانتخابي، من قبل معظم القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسهم "التيار الوطني الحرّ" الذي كان عرّاب العودة إليه في إتفاق الدوحة2008، بات كل مَن ينادي باحترام المهل الدستورية بحسب القانون النافذ، أي الستين، شيطاناً لا يريد التغيير ولا الإصلاح. علماً أن "الستين" هو أكثر القانوانن المُجرّبة في لبنان. أربع مرات قبل الحرب الأهلية، ومرة العام 2009. لكن "التيار" عاد وتراجع عنه بحجة إقرار قانون انتخابي عصري، حتى أن رئيس الجمهورية لم يوقّع مراسيم دعوة الهيئات الناخبة للسبب عينه. فهل إقتراحات "التيّار" تستأهل كل هذه الجلبة؟

أفضل ما تفتقت عنه العبقرية "البرتقالية"، خلال السنوات الفائتة، كان قانون "اللقاء الأرثوذكسي" المغرق في "العصرية"، لدرجة أنه لم يلق قبول القوى السياسية، فكيف بالمَدنية؟ صحيح أن هذا القانون يؤدي إلى فوز 64 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين، كما يريد "التيّار"، لكنه جائر في حق فئة واسعة من اللبنانيين من غير المنتمين إلى الطوائف المسيحية، ويحرم مَن قام بشطب مذهبه عن إخراج القيد، مِن حق الإقتراع، أو، في أحسن الأحوال، يلزمه بالعودة إلى حضن الطائفة لممارسة حقه الدستوري. هذا فضلاً عن كونه يكرّس الطائفية ولا يفتح أفقاً للتغيير كما طمح اتفاق الطائف.

أما خلال الشهرين الأخيرين، فقد أنتج "التيّار" قوانين انتخابية ثلاثة: الأول مختلط بـ64 مقعداً على أساس النظام الأكثرين ومثلها على أساس النظام النسبي بدوائر موسعة. والثاني تأهيلي وفق نظام الجولتين، وصولاً إلى مختلط ثانٍ أعلنه رئيس التيار، الوزير جبران باسيل، أخيراً في مؤتمره الصحافي. هذا فضلاً عن إقتراحات كثيرة أنتجها "التيار" وأُسقطت في مهدها، ولم ترتقِ إلى مانشيت فرعي في الإعلام... وليت "التيّار" وظّف طاقة ماكيناته لإنتاج الطاقة الكهربائية 24/24 ساعة، كما وعد باسيل ذات يوم، عوضاً عن هدر طاقة في إنتاج قوانين انتخابية على مدار الساعة، لم يسبقه أحد عليها.

في المختلط الأول، جعل "التيّار"، لبنان، تسع محافظات لإختيار 64 مقعداً وفق النظام النسبي، و26 قضاءً لإختيار 64 مقعداً وفق النظام الأكثري. وقد تمّ تحديد هذه المقاعد وفق قسمة جائرة جعلت جميع المسيحيين طائفة واحدة، بينما قسّمت المسلمين إلى أربع طوائف. كما أن التقسيم الجائر للمحافظات، جعل واحدة تتضمن مقعدين فقط للنسبية وأخرى تتضمن 12 مقعداً. فمثلاً، بات في دائرة الشوف-عاليه، 11 مقعداً للنسبية، ومقعدين للأكثري. بينما في محافظة كبيرة مثل الجنوب (صيدا والزهراني وجزين وصور)، مقعدان فقط للنسبية، و10 للأكثري. وإذا استثنينا دائرة الشوف-عاليه، ودائرة البقاع الغربي-راشيا وزحلة، حيث تعطي النسبية مفاعيلها ولو بشكل محدود، فإن الاقتراح هو عملياً نظام أكثري جائر، مُقنّع بالنسبية.

أما اقتراح "التأهيلي"، فقد قسّم لبنان إلى 15 دائرة كبرى، حيث تقترع الطوائف في الجولة الأولى لمقاعدها حصراً وفق النظام الأكثري. ثم يقترع جميع اللبنانيين المقيمين في الدائرة ذاتها وفقاً للنسبية، للفائزين الأوائل الذين اختارتهم الطائفة، مع صوت تفضيلي على مستوى القضاء. وإذا كان النقد الموجه للقانون الأرثوذكسي، يسري على هذا الاقتراح أيضاً، فما معنى حصر الصوت التفضيلي في القضاء؟ ثم لمَن يقترع مثلاً نحو ألفي ناخب سني في كسروان، طالما أن الدائرة التي ضمت جبيل وكسروان لا تتضمن مقاعد للطائفة السنية؟ إلا إذا تمّ إلزام الناخب السنّي بالاقتراع للمقاعد المارونية أو للمقعد الشيعي في جبيل!

لم يختلف إقتراح "المختلط البرتقالي" الأخير عن سابقاته، بل هو نوع من إعادة تدوير للقانون الأرثوذكسي، مع إضفاء نكهة المختلط. فقد قُسّم لبنان إلى 5 محافظات، ينتخب فيها جميع اللبنانيين لـ64 مقعداً وفق النظام النسبي، و14 دائرة موسّعة يقترع فيها أبناء الطوائف للمقاعد الـ64 المتبقية وفق النظام الأكثري. وبعيداً من "طائفية" هذا الإقتراح، هدف "التيّار" من توسيع الدوائر وحصر الاقتراع في أبناء الطائفة، هو إقصاء الزعامات المسيحية المحلّية، مثل بطرس حرب في البترون، وسليمان فرنجية في زغرتا... لكن أخطر ما يقترفه "التيار" هو بيع اللبنانيين قوانين انتخاب أكثر تخلفاً من قانون الستين، تحت مسمى "التغيير والإصلاح". فما معنى النسبية للمقاعد الـ64 الموزعة في خمس محافظات؟ عدد المقاعد في أي محافظة سيتراوح بين 9 و13 مقعداً. ما يعني وجود حاصل انتخابي مرتفع (عدد المقاعد على المقترعين)، أي دخول الكتل الكبيرة فقط إلى عملية تقاسم المقاعد بعد فرز الأصوات، واستبعاد الأقليات. إذ من المعروف أنه كلما قلّ عدد المقاعد، واتسعت الدائرة، لا تعود مفاعيل النسبية مناسبة إلا للأكثريات. فعدا عن إقصاء الأقليات السياسية والطائفية، ستؤدي نسبية باسيل إلى تحجيم فاقع للكثير من الكتل والقوى، وعلى رأسها كتلة النائب وليد جنبلاط، وهذا هدف الاقتراحات كافة.

حسناً، لكن ماذا عن الاصلاحات الانتخابية التي تعتبر الحجر الأساس للتغيير.. والإصلاح السياسي؟ لم يتقدم "التيار الوطني الحر" بأي اقتراح يتضمن مسألة الإصلاحات الإنتخابية المتمثلة في إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات، أو خفض سن الاقتراع، أو اعتماد القائمة الانتخابية المطبوعة سلفاً، أو اعتماد الكوتا النسائية. وبالتالي، عن أي قانون عصري نتحدث؟!

وبما أن طروحات الأنظمة الانتخابية التي عمل عليها "التيار"، ليست إصلاحية ولا عصرية، بل كيدية وإقصائية، فهل تستأهل بالتالي التمديد التقني أو غير التقني، أو حتى "تطيير" الانتخابات من أساسها؟! ترى متى يصبح لسان حال اللبنانيين: "إنتخابات واحدة على الستين ولا عشرة على حسابات باسيل".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها