الأحد 2017/03/12

آخر تحديث: 10:35 (بيروت)

الهرم و"العبيط"

الأحد 2017/03/12
increase حجم الخط decrease
يقول المثل المصري "التاجر لما يفلس، يفتش في دفاتره القديمة".. وليس هناك ما هو أقدَم من الأهرامات لدى المصريين، كما أن بلادهم ليست مفلسة فحسب، بل مَدينة أيضاً. واتساقاً مع هذا كله، لم يكن غريباً أن تستقبل أهرامات الملوك الثلاثة في الجيزة، الكثير من الزيارات هذه الأيام. ومهما كان نوع الزيارة: سياحة علاجية، مفاوضات سياسية، زيارة عائلية،... وأياً كانت شخصية الزائر: النجم الرياضي ليونيل ميسي، القائدة الأوروبية أنجيلا ميركل، الفنان الهوليوودي ويل سميث،.. فإن الصورة مع الأهرامات لا بد أن تكون طقساً ثابتاً في الزيارة، كارت بوستال سياحي مطعّم بصورة نجم النجوم في مجاله، أملاً في عودة السياحة- هكذا تتصور الحكومة- إلى مصر، بعد أن يرى معجبو النجوم صورهم إلى جوار الأهرامات وعند قدمي أبي الهول، فيستنتجون أن "مصر آمنة".

لا يمكن لوم الحكومة، حتى وإن كانت الأهرامات، في حقيقة الأمر، أشهر من أي نجم يلتقط صورته إلى جوارها، وحتى لو كان "الأمن والأمان" الذي يحظى به نجم من الدرجة السوبر، لا يعني بالضرورة –في مصر أو في أي مكان- أنه "الأمان نفسه" الذي سيحظى به "السائح العادي". الزائر العادي الذي رأى الأهرامات خاوية تماماً، حول ويل سميث وانجيلا ميركل، لا يصعب عليه استنتاج أن ثمة إجراءات خاصة لن يحصل هو على مثلها بالتأكيد. يحتاج السائح العادي إلى أن يستمع إلى تجربة عاديّ مثله، بل يحتاج أن تكون تجربته هو في مصر مغرية بتكرارها، مغرية بأفضلية الخدمات وتحسين الطرق والحماية من المضايقات ومن لغة "البقشيش" ومحاولات "النصب" التي تتصور السائح "عبيطاً". حتى أن افتراض "العَبَط" كان العامل المشترك بين زيارة السائح العادي، وزيارة النجم ليونيل ميسي، وذلك بفضل زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، والذي بلغ إحساسه بأهميته أن قال للنجم ويل سميث "أنا هدية مصر لك"! ويقصد قبوله بمرافقته أثناء زيارة الآثار، لكنه على الأقل اعتبره مثقفاً، على عكس تصريحه التلفزيوني الصاعق بأن "ميسّي أهبل(عبيط)".

بعدما فشلت المحاولة لإقناع ميسّي بأن يقول بالإنجليزية "أنا أحب مصر"، كأن زيارته وحدها لا تكفي، وصوره العديدة أمام الهرم صباحاً ومساءً لا تكفي، فوجئت صحف أوروبا، أسبانيا أولاً ثم بريطانيا ثم بقية القارة العجوز، بتصريحات زاهي حواس للبرنامج المصري "على مسؤوليتي". إذ قال حواس نصّاً: "ده راجل أهبل. أنا آسف لقول ذلك، أنا باشرح له الآثار، ولم يظهر على وجهه أي أثر، أنا باقول له كلام لو قلته لحجر كان نطق، وهو عامل زي الأهبل، أنا سبته ومشيت".

ربما ظن حوّاس، عالم المصريات، أننا ما زلنا في عصر الفراعنة، وأن ما قاله لن يحمله الأثير والانترنت في التو واللحظة إلى أوروبا. اهتمت الصحف في الضفة الأخرى من المتوسط، "إلموندو" أولاً، ثم "ذا صن" وغيرها، بتصريحات تهين اللاعب الذي كان "الضيف الكبير" قبل ساعات، ما أجبر حواس على اعتذار أسوأ من الذنب، فقال: "كنت أقصد المترجم"، وهي إهانة أخرى فضّل حوّاس أن يوجهها إلى رجل عادي، تماماً كالسائح العادي، الذي قد يحب ميسّي ويحب الأهرامات، لكنه يحتاج إلى أكثر من صورة لهما معاً لإقناعه بالمجيء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب