الأحد 2017/02/26

آخر تحديث: 20:26 (بيروت)

"وقاتلوا المشركين كافة"

الأحد 2017/02/26
increase حجم الخط decrease
لا يخوض الاصدار المرئي الأخير للدولة الإسلامية في مصر، "وقاتلوا المشركين كافة"، في تفاصيل التأصيل الشرعي أو المحاججات الفقهية، من أجل تبرير دعوته لقتل الأقباط. فباستثناء بعض الآيات القرآنية المستخدمة بشكل عرضي، فإن الخطاب التحريضي في الفيديو يعتمد بشكل كامل على مبررات ودفوع سياسية واقتصادية آنية، مستعيناً بمنطق شعبي رائج ومتدوال ومقبول بشكل مجتمعي واسع.

كالعادة، يبدأ الأمر بتشكيك في نسبة الأقباط من التعداد الكلي لعدد السكان في مصر، ومحاولة التقليل منها بقدر الإمكان، ومن ثم مقارنة نسبتهم المتواضعة تلك، بإدعاء هيمنتهم على 40% من الإقتصاد، وهو الأمر الذي يأتي مشفوعاً بصور لأفراد عائلة ساويريس، العائلة الأغنى في مصر، وكذلك علامات تجارية لأنشطة اقتصادية يملكها أقباط. ما يلفت الإنتباه في تلك المقارنة، ليس مجرد إعتياديتها ورواجها، بل أيضاً في اعتمادها بشكل كامل على تغييب حكومي متعمّد للمعلومات المتعلقة بعدد الأقباط ونسبتهم في مصر، وكذا نسب توزيع الثروات والمداخيل في المجتمع بشكل عام. فمع أن الدولة المصرية، تلزم مواطنيها بتدوين ديانتهم في بطاقات الهوية، والمعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية والمواريث، والتسجيل المدرسي، والإحصاء السكاني، وغيرها من الأمور، ما يعني أن لدى الدولة شبكة بيانات دقيقة لأعداد الأقباط ونسبهم وتوزيعهم الجغرافي وغيرها من المعلومات الديموغرافية، إلا أن تلك البيانات تظل محجوبة بلا مبرر معلن.

يساهم انعدام الشفافية الحكومي المتعمد في تغييب الحقائق وخدمة الخطاب الطائفي بشكل غير مباشر. لكن العامل الأكثر فاعلية في ذلك الخطاب هو لعبه على الحس الطبقي، وتزييفه بإحالته إلى مسألة طائفية. فالإختلال الشديد في توزيع الدخول والثروات، والذي يعانيه السواد الأعظم من المصريين الأكثر فقراً، يتم إختزاله في إدعاء الهيمنة القبطية على الاقتصاد، وتحويل أي إمكانية لوعي طبقي أو سعي لتأسيس نظام اقتصادي أكثر عدالة، إلى محض طاقة من الكراهية المذهبية المقيتة، تنتهي كالعادة باستهداف الأقباط في أحياء المدن الأفقر، ومحافظات الصعيد شديدة التهميش، أو بصِدامات بينهم وبين جيرانهم المسلمين الذي لا يقلون فقراً عنهم.

يصف العرض الداعشي، الأقباط، بأنهم "أتقنوا ادعاء المظلومية مع وجودهم الطاغوتي داخل النظام المصري"، مقترناً بصور لأعضاء أقباط في البرلمان، وإشارة إلى قاض قبطي واحد، كان قد عينه مرسي أثناء فترة حكمه. مرة أخرى، يعتمد الفيديو على خطاب مقبول ومتداول مجتمعياً. فالإنكار الحكومي لأي مشكلة طائفية يعانيها الأقباط، تدعمه صور رجال الدين الإسلامي والمسيحي وهم يتبادلون القبلات تدليلاً على الوحدة الوطنية، ولا يتوقف تداوله شعبياً عند نفي أي تمييز منهجي ضد الأقليات، بل يكمل إلى التعامل مع أي شكوى من طرفهم بوصفها ادعاءً مغرضاً بالمعاناة، ويتم قلب الأمر إلي مظلومية مضاعفة للغالبية المسلمة، والتي تعاني أكثر، وكذلك تتحمل وزر اتهامها باضطهاد الأقلية "الطاغوتية"، التي تعسف بالغالبية بالأساس. فبحسب الفيديو، يحفل تاريخ المسيحيين في مصر "بسفك دماء المسلمين". ويأتي هذا كله مدعوماً بلقطات مصورة للبابا وشخصيات قبطية، تعلن تأييدها للسيسي ونظامه، وبعض لقطات لقساوسة ومتظاهرين أقباط يدلون بتصريحات أو يرفعون هتافات ذات حس طائفي، لينتهي الفيديو بالتحريض على الأقباط: "حوّلوا ليلهم ناراً، ونهارهم دماراً، واجعلوا دماءهم أنهارا".

لا يعدّ الكشف عن نية "داعش" باستهداف الأقباط والتحريض ضدهم، أمراً مفاجئاً. إلا أن إصدار التنظيم الأخير يعيد التأكيد على أن الخطاب التحريضي للتنظيم الجهادي الأكثر دموية، لا يختلف كثيراً عن خطابات متداولة ومقبولة مجتمعياً بلا استحياء، بل ويعتمد عليها ويستمد شرعيته منها بشكل واعٍ. كما أن تلك الخطابات المجتمعية، تتأسس في جزء كبير منها، على تعمية حكومية متعمّدة على البيانات والحقائق، وإنكار رسمي مستمر للوقائع التي تتعلق بالتمييز ضد الأقباط، بالإضافة إلى شعور واسع بالمظلومية لدى الغالبية المسلمة، سواء لأسباب أقتصادية أو سياسية محلية وعالمية، يتم تنفيسها بتحويل طاقة غضبها اتجاه الحلقات الأضعف في المجتمع، وعلى رأسهم الأقباط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها