الخميس 2017/02/16

آخر تحديث: 11:07 (بيروت)

روسيا تحدد لإيران ثمن دعمها السياسي

الخميس 2017/02/16
increase حجم الخط decrease

نشرت صحيفة " kommersant" المستقلة في 14 من الجاري نبأ إلغاء نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الصناعات الحربية ديمتري راغوزين زيارته إلى إيران ، التي كان من المقرر أن تتم في 13 من الجاري. وكان من المزمع أن يلتقي خلال زيارته هذه نائب الرئيس الإيراني لشؤون العلوم والتكنولوجيا سورين الستاري ووزير الدفاع الإيراني حسين دهقان. وكان راغوزين ينوي أن يناقش في طهران مستقبل التعاون الثنائي ، ولا سيما، في حقل الطيران ، حيث كان سيطرح مسألة شراء إيران طائرات ركاب روسية . وتنقل الصحيفة عن مصادرها الخاصة ، بأن سبب إلغاء الزيارة هو كشف الجانب الإيراني عن خبر زيارة المسؤول الروسي ، على الرغم من أن موسكو كانت قد طلبت من إيران إبقاء الزيارة سرية .

وتنقل الصحيفة عن احد مصادرها في جهاز الدولة القول ، بأن راغوزين كان سيتطرق في محادثاته إلى موضوعات حساسة ، منها الحديث عن " أسباب توجه الشركاء الإيرانيين لشراء طائرات من البلدان الغربية" . ويقول هذا المصدر ، أنه " في حين نقدم لطهران دعماً هائلاً ، يأخذون هم التقنيات من اولئك الذين يذلونهم بالعقوبات".

وتذكر الصحيفة ، بأن شركة الطيران الإيرانية " Iran Air" وقعت في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2016 عقداً مع شركة بوينغ الأميركية لشراء 80 طائرة خلال السنوات العشر القادمة . إضافة إلى ذلك ثمة عقد مبرم مع شركة " Airbus" الأوروبية على شراء 100 طائرة من أنواع مختلفة ، تبلغ قيمتها حوالي 20 مليار دولار ، بالمقارنة مع 10 مليار دولار قيمة الصفقة مع بوينغ .

من جانب آخر تشير الصحيفة ألى أن حجم التعاون مع روسيا هو أكثر تواضعاً من ذلك بكثير . في العام 2016 عقدت شركة صناعة طيران روسية "مذكرة تفاهم" مع إحدى شركات الطيران الإيرانية حول شراء طائرات للإستخدام المناطقي ، لكن الوثيقة كانت "وثيقة – إطار" لا أكثر ، ولا تحمل طابعاً إلزامياً . غير أن الشركتين لا يسعهما توقيع إتفاق نهائي حول الصفقة ، لأن الأمر يحتاج إلى إذن من وزارة الخزانة الأميركية ، بما أن الطائرة الروسية المعنية تحتوي على قطع غيار أميركية .

وتقول الصحيفة أن إيران مهتمة بالطائرات الروسية المقاتلة من نوع سوخوي، غير أن بيع مثل هذه الطائرات يستحيل حاليا بسبب قرار مجلس الأمن الدولي المرتبط بالصفقة حول برنامج إيران النووي . وتشير الصحيفة إلى حديث السفير الروسي في إيران الأسبوع المنصرم ، الذي ذكر فيه أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 2 مليار دولار .

وكانت صحيفة الكرملين "vzgliad "قد كتبت في اليوم عينه في 14 الجاري تحت عنوان "روسيا تحدد لإيران ثمن دعمها السياسي "، معلقة على إلغاء زيارة المسؤول الروسي ، تقول أن السبب الحقيقي لإلغاء الزيارة هو عزم موسكو على "إعادة تفصيل" العلاقات الثنائية مع طهران لصالحها . كما أنها تريد ، إضافة إلى ذلك ، الحصول على تعويض عن كل ما تقوم به وما سوف تقوم به لاحقاً في تغطيتها إيران من غضب الولايات المتحدة الأميركية .

وتقول الصحيفة ، أن إلغاء الزيارة قد أعيد رسمياً إلى "اسباب تقنية" ، لكن ما تسرب يشير إلى أن ما جرى هو أعقد من ذلك بكثير، إذ انه قد شُرعت في اللحظة الراهنة النافذة على إمكانيات  لإعادة تشكيل معينة للعلاقات الروسية ـــ الإيرانية وتوجيهها لصالحها .

إن إيران قد تخلصت من العقوبات بعد سنين طويلة ، وتعززت قدرتها وحريتها على المناورة . وقد عادت في السنوات الأخيرة إلى الواجهة في السياسة الدولية ، وتعزز نشاطها على الساحة الدولية ، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط ، حيث تنجح في استعادة وضع الدولة الأساسية في المنطقة ، حسب الصحيفة .

لقد كانت طهران تمسك ببعض الأوراق الرابحة ، وكان بوسعها، حتى وقت قريب ، إستخدامها في الحديث مع موسكو من مواقع القوة ، وأول هذه الأوراق هي تجميد صفقة منظومات s-300 . وعلى الرغم من أن الصفقة قد رفع الحظر عنها وتم تنفيذها ، إلا أنها بقيت حجة مناسبة لطهران للضغط على الكرملين والقول له "أنتم لستم شريكاً موثوقاً" في سبيل انتزاع هذا المكسب أو ذاك منه .

الورقة الثانية بيد طهران تتمثل في حاجة موسكو إلى دعم إيران في العملية العسكرية في سوريا . وليس المقصود بذلك العمليات الحربية "على الأرض" فقط . فالأجواء الإيرانية ضرورية للقوات المسلحة الروسية لتنفيذ عدد من المهمات القتالية ، إذ أن مسار القاذفات الإستراتيجية يمر عبر إيران بالذات ، وهو الأمر ، الذي تسبب في إحدى المرات بإشكال بين الطرفين بسبب استخدام القاعدة الجوية الإيرانية من قبل القوات الجوية الروسية .

لكن الوضع تغير كلياً خلال الأسابيع الأخيرة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ، الذي اختار إيران بالذات "عدو المجتمع رقم واحد" . وعلى الرغم من أن تهديدات الرئيس وإدارته لم تنفذ حتى الآن ، إلا أنه لا يجوز الإسقاط من الحسبان احتمال الإنتقال من الكلام إلى الفعل . وليس سراً ، أن حرمان إيران من دعم روسيا ودق إسفين بين البلدين أمر تعتبره الإدارة الأميركية الجديدة توجهاً مهماً في السياسة الخارجية . وإذا تمكن البيت الأبيض من إحراز نجاح في هذا المجال ، وعلى الرغم من كلفته بالنسبة للكرملين ، إلا أن نتائجه بالنسبة للجمهورية الإسلامية سوف تكون أكبر بكثير . فقد تجد إيران نفسها وقد عادت عشرات السنين إلى الوراء في إنجازاتها الجيوسياسية .

إن إلغاء زيارة راغوزين أمر يُنظر إليه على أنه رسالة مباشرة ومكشوفة إلى طهران (بقدر ما تتيحه الدبلوماسية الشرق أوسطية) .

لقد كان كبيراً جداً إسهام موسكو في عودة إيران  لاعباً جيوسياسياً كاملاً في الساحة الدولية . وإذا أخذنا بالحسبان الموقف الراهن للإدارة الأميركية الجديدة ، فإن موسكو ينتظرها عمل أكثر لتأمين التغطية السياسية (بل والعسكرية) لطهران ، الأمر ، الذي يهدد الكرملين بصعوبات جدية في العلاقات مع الولايات المتحدة .

هذه الظروف تخلق الشروط لتعزيز مواقع الكرملين في الحوار الروسي ـــ الإيراني ، وهو ما سيجعل الظروف السابقة ، التي كانت تضعف موقف الكرملين ، خارج السياق . وعلى طهران أن تدرك ، أن عليها تعويض التكاليف ، التي تتحملها موسكو وسوف تتحملها وهي بصدد توفير الغطاء الجيوسياسي لها .

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها