الإثنين 2017/02/13

آخر تحديث: 06:57 (بيروت)

”داعش“ الفلسطينية

الإثنين 2017/02/13
increase حجم الخط decrease

”خلال الأسابيع الماضية، هيّأت الدعاية الخبيثة والدينية الطابع للسلطة الفلسطينية وحركة حماس عن التهديد (الاسرائيلي) لمسجد الأقصى، الأرضية لمثل هذا الحدث“. هكذا بدأ الكاتب في صحيفة ”ذي جيروزالم بوست“ اليمينية الاسرائيلية ايلي كارمون مقاله عن التهديد المتصاعد والمزعوم لتنظيم ”داعش“ ضد اسرائيل. 

بيد أن الربط بين تنظيم ”داعش“ و”الإرهاب“ الفلسطيني، يُعفي إسرائيل من الإحراج الدولي نتيجة تصاعد الاستيطان، ويُقارن أي مقاومة للاحتلال، من التحذير الشفهي إلى استهداف الجيش الاسرائيلي، باعتداءات نفذتها ”داعش“ ضد مدنيين عزّل في بروكسيل وباريس وكان واسطنبول.

شيطنة العدو من أقدم أسلحة الحرب. الإغريق القدماء استخدموها في صراعاتهم. حوّلوا الأعداء إلى شياطين عبر تكبير مساوئهم وردها إلى انحطاط الأخلاق والقيم، كي يتحول أي خلاف إلى معضلة وجودية تُعصى على الحل إلا بالقتل والإبادة.

في زمني الثورة السورية والحرب، نشط النظام سياسياً وإعلامياً من أجل تصوير جميع معارضيه على أنهم إسلاميون متطرفون ينتمون الى تنظيم ”القاعدة“. حتى استراتيجيته العسكرية بدت كأنها مُكملة لخطابه الإعلامي، لا العكس: عمل الجيش السوري وميليشياته الحليفة على تدمير أي أثر لمعارضة لا تُشبه وصف النظام، من داريا إلى حلب الشرقية. 

وإسرائيل ليست غريبة عن هذه الاستراتيجية، إذ لطالما نعتت المقاومة الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي، أكانت حركة ”فتح“ أم ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، ”إرهابية “. صبغت الحركات الفلسطينية بالإرهاب، وما زالت، سيما مع صعود حركتي ”حماس“ و”الجهاد“ إلى الواجهة.

لكن ثمار الجهد الإسرائيلي القديم، تكاد لا تُقارن بما ستكسبه تل أبيب لو نجحت بفرض ”داعش“ لاعباً على الساحة الفلسطينية. وهذه استراتيجية بالامكان لمسها في الاعلام الاسرائيلي الناطق باللغة الانكليزية مثل ”جيروزالم بوست“ و”تايمز أوف اسرائيل“. على سبيل المثال، ربط كارمون في الصحيفة الاسرائيلية عينها بين دعاية السلطة الفلسطينية وحماس من جهة، وبين اعتداءات نفذها تنظيم ”داعش“ من جهة ثانية. بحسب الكاتب، فإن الدعاية الفلسطينية في خصوص التهديدات الاسرائيلية بحق البناء المتداعي للمسجد الأقصى، مهّدت للاعتداءين على المتحف اليهودي في بروكسيل عام 2014، وعلى سوبرماركت يهودية في باريس عام 2015. 

وفقاً لهذا المنطق، يُعد أي احتجاج فلسطيني على بناء المستوطنات أو أنفاق تحت المسجد الأقصى، عملاً ممهداً للإرهاب الداعشي في الغرب. وأي اعتداء على أي اسرائيلي، أكان مسلحاً أم مدنياً، هو اعتداء ديني مرتبط بعقيدة ”داعش“ القاضية بقتل اليهود والمسيحيين. 

وبالإمكان رصد هذا الوعي لفوائد الربط بين ”داعش“ والقضية الفلسطينية في الخطاب الرسمي الاسرائيلي حيال الاعتداءات الأخيرة. بعد عملية دهس جنود اسرائيليين بشاحنة في القدس المحتلة الشهر الماضي، سارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان إلى ربط العملية بتنظيم “داعش” من جهة، وبينها وبين التجربة الأوروبية الأخيرة. نتنياهو تحدث عن احتمال وجود “رابط ما” بين هذا الاعتداء وبين الهجمات الارهابية في ألمانيا وفرنسا. وقال بلسان الجمع ”أننا نواجه هذا الطاعون، وسنهزمه“.

ليبرمان شدد على أن دافع الاعتداء لم يكن قضية المستوطنات الاسرائيلية، بل فقط ”أننا يهود ونعيش هنا في اسرائيل. لم يكن هناك أي سبب آخر، ولا حاجة إلى البحث عن حجة، لا المستوطنات الاسرائيلية ولا المفاوضات، بل اعتداء أوحت به داعش“.

لو نجحت هذه الاستراتيجية، فإنها ستؤدي الى مزيد من العُزلة للفلسطينيين. لكنها لا تبدو مُقتصرة الى الآن على فلسطينيي الضفة وغزة، بل تشمل أيضاً عنصراً جديداً في المعادلة: الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية (عرب 1948)، أو ”عرب اسرائيل“، كما يُسميهم الاعلام الاسرائيلي والغربي.

هناك ارتباط مباشر بين الهوس الديموغرافي الاسرائيلي بمستوى النمو السكاني بين عرب 1948، وبين الدعايا المتصاعدة والهوس الاعلامي بانضمام بضعة عشرات منهم إلى تنظيم ”داعش“. في منتصف العام الماضي، أي قبل وقوع اعتداء القدس، نشرت صحيفة اسرائيلية استطلاعاً لمركز بيو للأبحاث، جاء فيه أن نصف الاسرائيليين يؤيد طرد المواطنين العرب. ومثل هذا الشعور بين الاسرائيليين، ليس مرشحاً للتصاعد فحسب على المستوى الشعبي، سيما بعد وقوع اعتداءات تُنسب الى ”داعش“، بل قد يتحول إلى سياسة. أساساً، طرح مثل هذا السؤال في استطلاع للرأي، سياسي أيضاً! لماذا يُسأل الاسرائيليون اليهود عن طرد العرب إن لم تكن هناك رغبة ما في استثمار هذا السؤال سياسياً؟ 

ومثل هذا المشروع لن يكون منعزلاً، بل ربما منسجماً مع الاتجاهات الدولية، سيما لو فازت المرشحة اليمينية مارين لوبين بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، ومعها اليمين الهولندي وغيره في دول أوروبية أخرى، وفي حال نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر المزيد من المسلمين والعرب من دخول الولايات المتحدة. وإذا ارتفعت أعمال العنف العنصرية ضد المسلمين والعرب في أوروبا، ومُنع الآلاف منهم من دخول الولايات المتحدة، سيكون سهلاً على عصابات المستوطنين المسلحين استهداف المواطنين العرب العُزّل، وطردهم باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الأردن.

ليست مثل هذه السيناريوهات مستبعدة في عالمنا اليوم. لكن في وجه هذا التردي الشامل والسيناريوهات المُظلمة، آخر عبارة يرغب الواحد منا سماعها هي ”الانقسام الفلسطيني“.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها