الجمعة 2017/02/10

آخر تحديث: 07:28 (بيروت)

مملكة السجون الأسدية

الجمعة 2017/02/10
increase حجم الخط decrease

شرّ النظام يتصاعد. لم يجد الزملاء في صحيفة ”ذي غارديان“ البريطانية عبارة أكثر من هذه لوصف فظاعات صيدنايا الواردة في التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية (المسلخ البشري). بيد أن اللجوء إلى كليشيه ”الشرّ“ جاء بعد عجز عن وصف ارتكابات النظام، فلا الطمع ولا الجشع ولا الإجرام وحده بإمكانه التقاط الصورة كاملة. هو شرّ. هكذا بكل بساطة. 

وأساس الشرّ في هذا النظام قدرته على استخراج أسوأ ما في البشر ليكونوا على شاكلته. من هذا المنطلق، ليس السجن تعذيباً محضاً، بل هو صقل لإنسان جديد. مَن أمضى شهوراً أو سنوات طويلة في سجون النظام، يلحظ إصراراً ممنهجاً لدفع المعتقلين الضحايا للعب دور الجلادين. يُرغم السجين على المشاركة في تعذيب رفاقه، والوشاية بهم. على السجين أن يُصبح شريكاً في الجريمة. هنا يُحاول السجن أن يصنع من النزيل إما وحشاً أو جثة. في الصفحة السابعة من التقرير شهادة لمعتقل روى فيها أن السجّانين طلبوا من سجناء اغتصاب من هم أصغر سنّاً أو من لديهم بشرتهم فاتحة اللون نسبياً. الشاهد، وهو معتقل سابق في صيدنايا، علّق على هذه الممارسة بأن ”الألم النفسي أحياناً أسوأ من الألم الجسدي، ولن يعود الأشخاص الذي أجبروا على ذلك الى سابق عهدهم أبداً“. وهذه الممارسات تضم إلى جانب الاغتصاب والقتل، تقديم شهادة كاذبة عن معتقل، أو الوشاية أو المشاركة في التعذيب والإهانة.

رغم طبيعتها، تشي وتيرة هذه الممارسات بأنها على مستوى صناعي. والسجّانون الأسديون وظيفيون في أداء مهماتهم. كثيرون من السجناء السابقين يتحدثون عن الانسلاخ العجيب للسجّان الأسدي عن أي مشاعر انسانية. صيدنايا الذي وصفه التقرير بالمسلخ البشري، شهد خلال سنوات قليلة اعدام أكثر من 10 آلاف معتقل، وتعذيب وتجويع آلاف آخرين. هو بالتالي مصنع للإبادة. مصنع بعمال وأطباء وقضاة وشاحنات وانتاج يومي للجثث وثلاجات لحفظ اللحوم البشرية. 

وبما أن الانتاج ارتفع، أي عدد جثث المعتقلين، نفذت إدارة السجن عملية توسعة لغرفة الإعدام كي تتلاءم مع العدد المطلوب من المسؤولين. المحاكمة دقيقتان، يتخذ بعدها القاضي قراراً بالإعدام، على أن يُصار إلى شنق السجين لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة. واللافت أن طبيباً يحضر الإعدام للتأكد من الموت، إذ أحياناً تعتري هذه العملية مشكلات تقنية على ارتباط بخفة وزن السجين، سيما لو كانت اقامته في صيدنايا طويلة قبل الموت (كم يبقى من وزن الانسان بعد أسابيع قليلة في مثل ذلك المكان؟). لو لم يمت السجين شنقاً، هناك مساعدان وظيفتهما كسر العنق للتأكد من الوفاة. سجن صيدنايا مسلخ للبشر، وهو يعمل ميكانيكياً لضمان أفضل أداء. لهذا السبب بالتحديد، حرص التقرير على الإشارة الى ”التصميم“، بوصفه تخطيطاً لأكبر فاعلية ممكنة في التعذيب والقتل.

ولو أضفنا إلى صيدنايا، سجون الفرقة الرابعة وتدمر والمخابرات الجوية وغيرها الكثير في المحافظات والمراكز الأمنية والعسكرية، تكتمل صورة العقد الاجتماعي تحت نظام الأسد. هذه السجون بمثابة جدران لمملكة العائلة الحاكمة. صلبة وتسيل منها الدماء ويتعاظم صراخ المّعذبين بلا توقف، وتنتشر منها حكايات مُرعبة عن مصائر المعترضين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها