الإثنين 2017/12/18

آخر تحديث: 10:29 (بيروت)

شعبية النظام الإيراني تتعافى

الإثنين 2017/12/18
شعبية النظام الإيراني تتعافى
قبل شهور من تصويره فيديو ترويجياً للحرس الثوري، كان أمير تاتالو يصنع موسيقاه في السر
increase حجم الخط decrease
خلال الأسابيع القليلة الماضية، ألقت مقالات متفرقة في الصحافة الغربية والناطقة باللغة الانكليزية تحديداً، الضوء على ظاهرة "جديدة" في إيران: احتضان رسمي متزايد للدعاية والنشاطات ذات الطابع القومي الايراني، في ظل التوتر المتصاعد مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكم الجديد في السعودية.

نهاية الشهر الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية موضوعاً عن الرعاية الرسمية لعودة المشاعر القومية في إيران، عازية ذلك إلى انتخاب ترامب، والمنسوب المرتفع للتوتر مع الرياض. بعدها بأسبوع، نشر موقع "ميدل ايست آي" موضوعاً مماثلاً يرى في الصعود القومي تحديّاً اضافياً للسلطات في إيران، رغم محاولتها استغلال هذه المشاعر لكسب الشعبية. لكن الموضوع الثالث والأهم نُشر قبل يومين لأكاديمية ايرانية في موقع المونيتور، إذ حدد ملامح الاستراتيجية الرسمية الإيرانية في هذا المجال، وأكد نجاحها في التوفيق بين سلطة الملالي الخمينية، وبين المشاعر القومية المتصاعدة في أوساط شباب الطبقة الوسطى، وهم غالباً من غير المتدينين.

لكن ما هي علامات هذه الرعاية الرسمية؟ بحسب التقرير الأول، فإن السُلطة الايرانية سمحت باستخدام أحد قصور شاه ايران لاستعراض فني مُستوحى من كتاب الملوك لفردوسي عن العصور الفارسية قبل الإسلام، "عندما كانت إيران كاليوم، مُحاطة ومُحاصرة من الأعداء". على جدران القصر، استُعرضت صور بيرسيبوليس، قصر داريوس الكبير، وسط هتافات الحضور، وجُلهم من شباب الطبقة الوسطى، فيما غنى المطرب هامايون شاجاريان أغنية "إيراني" المملوءة بمعاني التضحية والوفاء للوطن. والأغنية لا تحوي أي اشارات دينية، بل تُركز على مضامين قومية، مثل أسود فارس، وتمجيد طبيعة ايران.

يُضاف الى هذا الحفل الذي حضره الآلاف يومياً على مدى أسابيع، دعم حكومي واسع للانتاج الفني في هذا المجال. أولاً، انشاء متحف وحديقة "الدفاع المقدس" (الإسم الإيراني للحرب مع العراق) في شمال طهران نهاية العام 2012. واللافت في هذا المتحف، أعمال لفنانين مستقلين يضعون الحرب مع العراق، في سياق قومي لم يكن محبذاً في الجمهورية الإسلامية على مدى عقود. على سبيل المثال، يعرض المتحف خرائط تاريخية للامبراطورية الإيرانية تُظهر تقلصها عبر القرون إلى حدودها الحالية الأصغر حجماً.

ثانياً، شرع النظام الإيراني في دعم انتاج فيديوهات موسيقية تحمل مضامين قومية أيضاً، أحدها كلّف أكثر من ثلاثمئة ألف دولار أميركي، سددها مركز ثقافي تابع لمكتب المرشد علي خامنئي، وذلك بهدف التوعية حول حادث استهداف الولايات المتحدة طائرة ركاب مدنية إيرانية في العام 1988. في الفيديو، وعنوانه "سنقف حتى آخر قطرة دم"، يستعير مغني راب إيراني أسماء ملوك من امبراطوريات فارس قبل الإسلام. حتى الجيش والحرس الثوري استخدموا للترويج، مغني راب اسمه أمير تاتالو، كان يصنع موسيقاه سراً قبل شهور من تصوير الفيديو.

بحسب متابعي الشأن الإيراني، هناك تحول على صعيدين، رسمي وشعبي.

رسمياً، يشعر الساسة الإيرانيون بأن الشعارات القومية في الخطاب والدعاية الحكومية قادرة على ردم الهوة بين النظام والسكان، لهذا شرعوا في استغلالها لهذا الغرض، رغم المحاذير الدينية. في العام 2010، أدلى اسفنديار رحيم مشائي، كبير موظفي الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد، بتصريحات ربط فيها الإسلام بإيران، وكأنها سابقة عليه. "هناك تفسيرات مختلفة للإسلام، لكن فهمنا للطبيعة الحقيقية لإيران والإسلام هي المدرسة الإيرانية. من الآن فصاعداً، علينا تقديم مدرسة إيران للعالم. من دون إيران، يضيع الإسلام، وإذا أردنا تقديم حقيقة الاسلام للعالم فإن علينا رفع العلم الإيراني". أثار تصريح مشائي حينها ضجة كبيرة بين المحافظين أنفسهم، لربطه بين الإسلام والقومية الإيرانية. لكن المحافظين اليوم لن يروا فيه أي خطب.

شعبياً، تشهد البلاد تحولاً في نظرة الرأي العام الى السلطة. الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني، الدكتورة فاطمة الصمادي، ترصد هذا التحول منذ فترة، وترى أن "هذا المجتمع بدأ يتبنى الرواية الرسمية تجاه ما يحدث في المنطقة". والفجوة بين رؤيتي النظام والناس كانت واضحة في انتخابات 2013، بحسب الصمادي، "لكنها غابت في 2017". وهذا التقارب النادر بين الشارع والنظام حيال الولايات المتحدة، لم يكن ليحصل لولا موقف ترامب من الاتفاق النووي. كان لدى المنظرين لتيار الاعتدال (حسن روحاني)، مثل محمود سريع القلم وحسين موسويان، نظرة إيجابية لضرورة العلاقة مع أميركا، حسبما ترى الصمادي، لكن "الموقف الأميركي (ترامب) من الاتفاق النووي خيب آمال هذه الفئات وأظهرها بأنها راهنت على خاسر، وعزز وجهة نظر المرشد والأصوليين بأن أميركا ليست أهلاً للثقة". ورغم اشكالياته مع النظام بشأن الحريات والمعيشة، يبقى المجتمع الإيراني منسجماً مع حكامه حيال الدور الإقليمي لإيران. وهذا الانسجام يتجلى، بحسب الصمادي، في تعاظم شعبية قاسم سليماني إلى حد دفع روائي ليبرالي مثل محمود دولت آبادي إلى أن يكتب في مديح قائد "فيلق القدس".

بإختصار، فإن ترامب حقق للنظام الإيراني، ما فشلت سنوات طويلة من القمع والرعب في إنجازه. ومع عدو لإيران مثل ترامب، مَن يحتاج الى أصدقاء؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها