الثلاثاء 2017/12/12

آخر تحديث: 10:35 (بيروت)

مصر في الأحضان الروسية؟

الثلاثاء 2017/12/12
مصر في الأحضان الروسية؟
increase حجم الخط decrease
كانت مصر هي المحطة الثانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في جولته الإقليمية بعد زيارته إلى سوريا التي أعلن منها الانتصار على "الدولة الإسلامية"، والبدء في سحب القوات الروسية من هناك. لكن نية فك الارتباط تلك، التي يصعب تقرير مدى صدقها الآن، لا تعني انسحاباً من المنطقة بالضرورة، بل وربما العكس أيضاً. فتمهيدا لزيارة بوتين للقاهرة، أعلنت الحكومة الروسية عن التوصل إلى اتفاق مبدئي، مع مصر، على الاستخدام المتبادل للمجال الجوي والقواعد العسكرية بين البلدين. وفيما حملت أخبار مسودة الاتفاق، "ازدراء" للإدارة الأميركية، كما وصفتها جريدة "نيويورك تايمز"، فإن ما استدعى التكهنات هو ما يمكن أن تحصل عليه مصر في المقابل. ومع أن الاحتمالات تراوحت بين عودة الطيران الروسي إلى مصر، ومعه السياحة بالطبع، وبين تحقيق تقدم في التعاقد على بناء المحطة النووية في الضبعة، فإن زيارة بوتين القصيرة إلى القاهرة، يوم أمس، انتهت من دون حسم أو تحقيق تقدم، ولو ضئيل، في أي من الملفين العالقين.

من ناحية أخرى، ذهبت صحف روسية إلى أن تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير، خلال زيارته الأخيرة لروسيا، نهاية الشهر الماضي، والتي دعا فيها ضمناً إلى إقامة قواعد بحرية روسية على السواحل السودانية على البحر الأحمر، تبعها إعلان الحكومة الروسية عن مسودة الاتفاق مع مصر لطمأنة الأخيرة إلى أن قواعد روسية في السودان وتقارباً عسكري معها، لن يكون موجهاً ضد مصر، خصوصاً مع احتمال اندلاع نزاعات إقليمية مستقبلية حول توزيع حصص مياه النيل، وإثر تلاسن حول حلايب وشلاتين بين البلدين.

لا يظهر أن الروس متحمسون بخصوص العرض السوداني. فقاعدة بحرية على البحر الأحمر تبدو مغرية بالطبع، ولو بشكل رمزي، إلا أنها ربما تنتهي بأن يتحمل الروس أعباء تخلى عنها الأميركيين، وبالنيابة عنهم، بلا مقابل. وفي الوقت نفسه، تبدو مصر في حاجة ماسة إلى الدعم الروسي في ملفات السياحة والطاقة والتمويل، وهي ملفات شديدة المصيرية والإلحاح، بينما لا يظهر أن لديها الكثير لتقدمه في المقابل، سوى فوائد القرض الروسي الضخم لبناء محطة الضبعة. وهي الفوائد التي شككت وسائل إعلام روسية، أكثر من مرة، في قدرة الحكومة المصرية على تسديدها مستقبلاً، بسبب تردّي الاقتصاد المصري، وارتفاع معدلات الدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة ومقلقة.

لا تنبئ جولة الرئيس الروسي الأخيرة، بتغير كبير في شكل العلاقات الروسية المصرية. لكن التهافت على استدعاء دور أكبر لروسيا في المنطقة، وشراكة عسكرية غير متكافئة، معها، يبدو أوضح كل يوم. فمع الانسحاب الأميركي البطيء من الشرق الأوسط، وتخبط سياسات إدارة دونالد ترامب تجاهها، وخصوصاً بعد القرار الأخير المتعلق بالقدس كتكليل أميركي للعلاقة مع إسرائيل وإطلاق يدها بالكامل، فإن الروس، الذين اثبتوا في سوريا أنهم حليف مخلص وضمانة للأنظمة الحاكمة الصديقة مهما كان الثمن، يتمتعون الآن بموقع استثنائي. هذا الموقع يُمكّنهم من التمنع أمام استجداءات أنظمة المنطقة للشراكة، والمفاضلة بينها، والتريث أمامها، حتى الوصول إلى أفضل العروض وأكثرها انسحاقاً.

على الأقل، سيستمر التنسيق الروسي المصري بخصوص دعم حفتر في ليبيا. وربما يتكرر استخدام القوات الخاصة الروسية، للقواعد العسكرية المصرية في المنطقة الغربية، لتنفيذ عمليات لها في ليبيا، كما حدث في آذار/مارس الماضي. وسيستمر الدور المصري في الوساطة بين حلفائها الخليجيين أو التفاوض نيابة عنهم، برضى روسيا، في ما يخص الشأن السوري. لكن الروس لن يفتحوا أحضانهم للنظام المصري، إلا بعقد إذعان كامل. وهو ما لا يبدو أنه سيحدث قريباً، مع تمسك مصر بعلاقتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، ومحاولتها الإمساك بكل الخيوط في الوقت نفسه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها