الأحد 2017/11/05

آخر تحديث: 09:52 (بيروت)

إستقالة الحريري كشأنٍ داخليٍ سعوديٍ

الأحد 2017/11/05
increase حجم الخط decrease

الطرفة التي جرى تداولها  على وسائل التواصل الاجتماعي عن أن الرئيس سعد الحريري معتقل في الرياض او قيد الاقامة الجبرية، ظهر على شاشة التلفزيون مضطرباً ليقرأ كتاب الاستقالة المكتوب بمفردات سعودية ، إكتسبت بعض الجدية عندما إنطوى ليل العاصمة السعودية على خبر  إعتقال عشرات الامراء والوزراء والمسؤولين السابقين، وبينهم أصدقاء قريبون ورفاق طفولة للحريري، بتهم الفساد وغسيل الاموال والتربح غير المشروع .

ولعل فندق "ريتز كارلتون"-الرياض الذي جُمع فيه المعتقلون السعوديون، والذي قيل أن غرفه فتحت لإستقبال المزيد من المطلوبين من قبل عدالة ولي العهد محمد بن سلمان، سيبدد بعض الغموض الذي يحيط بالاستقالة الغريبة للرئيس الحريري، المرفقة بمبررات لم تصمد طويلا في الغرف السياسية اللبنانية، بينها محاولة الاغتيال المزعومة، التي ظهرت فجأة في خلفية الصورة، وبينها أيضا الاكتشاف المتأخر بأن يد إيران وحزبها اللبناني طويلة جدا، ويجب أن تبتر.

وربما لن تتأخر الدلائل على أن الرئيس الحريري هو واحد من ضحايا ذلك الانقلاب الابيض المذهل الذي شهدته الرياض ليلة السبت ، الذي هز أركان العائلة الحاكمة، وقوض الأسس التي بني عليها الاقتصاد السعودي طوال العقود الثلاثة الماضية أو أكثر.. وأزال آخر العقبات العائلية والسياسية أمام جلوس الامير محمد بن سلمان على العرش.، وحيداً ، من دون منازع أو منافس أو حتى متحفظ.

لعلها مجرد أمنية ليس لها سند متين حتى الآن: أن يكون الحريري شخصيا هو الذي يدفع ثمن ما تحتويه ملفاته المالية من مخالفات مسجلة في الدوائر القضائية السعودية، ومراقبة من قبل الدوائر السياسية، وهي كانت ولا تزال هي الثقب الاسود الذي ابتلع ثروته الشخصية ومكانته السياسية. .بدل أن يكون لبنان كله وإستقراره السياسي والاقتصادي هو المستهدف بالأمر الملكي السعودي الذي تلقاه بإعلان إستقالته الفورية من الرياض والتخلي عن تردده الذي دام نحو خمسة أيام.

في هذه الحالة، حالة الاستهداف الشخصي للحريري،  يمكن ان تعتبر الاستقالة شأناً داخلياً سعودياً، يعبر عن حاجة ملحة الى ترتيب بيت الحكم وبيت المال السعودي، ويتفادى لبنان واللبنانيون تحولهم المفاجىء الى جبهة مواجهة متقدمة مع المشروع الايراني ، تضاف الى جبهات متعثرة عديدة فتحتها السعودية  في اليمن والعراق وسوريا، ولم تستطع ان تصد فيها الايرانيين وحلفاءهم، الذين وجهوا الى الرياض بالامس ضربة صاروخية موجعة.

إستدرت إستقالة الحريري من الشفقة أكثر بكثير مما إستدرت من الشماتة أو المفاخرة بإزاحة خصم سياسي، ضعيف أصلا. لا أحد في لبنان، بما في ذلك تيار الحريري وجمهوره نفسه، كان يرغب بخروجه من السلطة الآن، وبهذا الشكل المهين. كان البعض يتمنى لو أن الحريري، مهد للاستقالة بالاشتباك مع الوزراء الذين تطاولوا عليه في أمور سياسية وحتى شخصية، وبالمواجهة مع الخصوم الذين حطوا من قدر  منصبه وتياره بل وطائفته. كانت قلة ترى أنه لم يكن يجدر بالحريري في الاصل ان يوقع على التفاهم الرئاسي مع التيار العوني، وان يقبل التعايش الحكومي مع حزب الله. وقد تكون تلك القلة هي الوحيدة التي تتباهى بالقول الان أن الحريري يدفع ثمن خطيئته الاولى عندما أساء قبل عام مضى، قراءة الموقف السعودي ومضى الى ذلك التفاهم المشؤوم، والتعايش المذل.

مهما كانت درجة التعاطف مع الحريري، او صواب الإعتقاد بأن الرياض تسترد الآن وديعتها الحريرية، الموجودة في لبنان منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن أحداً من اللبنانيين، من دون إستثناء، لا يبدو مطمئناً الى تلك المغامرة السعودية الجديدة ، التي طُربت طهران لها، ورقصت مع دمشق حتى ساعات الفجر.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها