الثلاثاء 2017/11/28

آخر تحديث: 12:22 (بيروت)

مَن سيهزم ولاية سيناء؟

الثلاثاء 2017/11/28
مَن سيهزم ولاية سيناء؟
increase حجم الخط decrease
ستُهزم ولاية سيناء في النهاية، لا شك في هذا. تكتيكات الرعب الواسع، التي وظفتها "الدولة الإسلامية في سوريا والعراق"، ربما كان لها أن تنجح في المدى القصير، في معارك ميادين مفتوحة، وسيطرة فعلية على مساحات شاسعة من الأراضي، لكن في سيناء، وبعد مذبحة "الروضة"، فإن استهداف المساجد، وقتل مئات المصلين فيها، لن يزيد التنظيم إلا عزلة. نقطة التحول من استهداف الجيش والشرطة، والمتعاونين معهما من المدنيين، ومعهم الأقباط، إلى استهداف الأطفال والشيوخ في صلاة الجمعة، ليس سوى إعلان نهائي عن تخلى التنظيم عن أي طموحات طويلة الأمد، تتجاوز الضربة الدعائية الآنية، وهذا ما سينقلب ضده.

حتماً، ستُهزم "الدولة الإسلامية" في سيناء، فالتنظيم الذي يقدر عدد منتسبيه بين مئات وثلاثة آلاف في أقصى تقدير، يواجه دولة مركزية متماسكة، وجيشاً نظامياً هائل التسليح هو الأكبر عديداً في المنطقة. وبالرغم من عدم كفاءة مؤسسات الدول وترهلها، وهو ما ينكشف في هجوم بعد آخر، فإنها الدولة المصرية تمتلك موارد لا تنضب، سواء من التسليح والقوى البشرية أو الموارد المالية، ما يمكنها من تعويض خسائرها، مهما كانت فادحة، لتستمر في المعركة حتى إن امتدت لعقود.

لكن اليقين من هزيمة ولاية سيناء، ليس أمراً مطمئناً بالضرورة، بل ربما العكس. فإن كانت نهاية التنظيم مؤكدة، فمتى وبأي كلفة؟ لا تبدو النهاية قريبة، للأسف. فالدولة، المتكئة إلى ثقتها في مواردها والدعم المحلي والدولي، لا تتعلم شيئاً من أخطائها، وتظهر تبلّداً استثنائياً في ردود أفعالها تجاه المذابح المتوالية. فغير التصريحات الإعلامية المعتادة، لرأس الدولة، بالانتقام والثأر، واستخدام "القوة الغاشمة"، فإن طلعات جوية موجهة لأهداف تُكتشف فجأة، بعد 24 ساعة على كل هجوم، أصبحت مثاراً للسخرية الممزوجة بالجزع على ضحايا تلك الضربات التي تبدو للكثيرين عشوائية. أما ردود الأفعال المجتمعية، في ظل تعتيم إعلامي على ما يحدث في سيناء، فهي لا تختلف كثيراً في بَلادتها. فدعوات متكررة لتفريغ سيناء من سكانها وتهجيرهم، لصالح مكافحة الإرهاب، لا يقابلها سوى الرفض بحجّة التصدي لصفقة القرن، والمؤامرة لتوطين الفلسطينيين في سيناء. لا يبدو أحد معنياً، بما يحدث لأهالي سيناء أنفسهم. فهم إما عبء يجب التخلص منه، أو قطع من الشطرنج يجب الحفاظ على مواقعها، حتى لا يحل غيرهم محلهم. وبخلاف ذلك، لا يستدعى الأمر سوى بعض الشفقة تجاه الضحايا، أو جدلاً بائساً حول ضرورة تكفير الأزهر للجناة.

لا يمكن تفسير تلك البَلادة، سوى بالطمأنينة التي يحملها اليقين من هزيمة التنظيم، والاستهانة بكلفة ذلك في الأرواح وتدمير المجتمعات المحلية في سيناء. لكن، وحين تُهزم "ولاية سيناء"، فلصالح مَن تكون هزيمتها؟ قبل أسبوعين، أعلنت جماعة "جند الإسلام"، المحسوبة على "القاعدة"، استهدافها لعناصر من تنظيم ولاية سيناء، وذلك بعد إعلان تنظيم آخر محسوب على القاعدة، مسؤوليته عن هجوم الواحات، ضد قوات الأمن، الشهر الماضي. تعود "القاعدة" إلى الظهور، مستفيدة من فشل قوات الأمن في التصدي لـ"الدولة الإسلامية"، وكذلك من الغبن الذي يشعر به كثير من سكان سيناء إزاء سياسات "القوة الغاشمة" التي تستخدمها قوات الأمن ضدهم، في حين أنها لا تقدم أي حماية لهم.

هكذا، فإن أفول تنظيم "الدولة الإسلامية" عاجلاً أم آجلاً، سيكون لصالح "القاعدة" وغيرها من الجماعات الجهادية المنافسة، والتي تكتسب تأييداً بفعل تصديها لولاية سيناء من جهة، ومهاجمة قوات الأمن، من جهة أخرى. بل بوصفها جماعات أقل تطرفاً. فالشعور بالراحة غير المعلن، إبان عودة ظهور "القاعدة" في سيناء، والذي كان يمكن استشفافه من التقارير الصحافية والتحليلات المتعلقة بالاشتباكات بينها وبين و"لاية سيناء" مؤخراً، لا يمكن تفسيره سوى بأن "الدولة الإسلامية"، إن نجحت في شيء خلال الأعوام القليلة الماضية، سواء في مصر أو خارجها، فهو تجميل صورة الجماعات الجهادية الأخرى، عند مقارنتها بها. بل وصبغ تلك الجماعات بمسحة من الاعتدال، النسبي، والدفع بالقبول بهم كأخف الشرور الممكنة.

ستُهزم "ولاية سيناء"، بالطبع. لكن، إلى أن يحدث هذا، فإن أثماناً باهظة سيتم دفعها، وسنرى تدميراً عميقاً لنسيج المجتمعات المحلية في سيناء، وسيكون من المتأخر جداً تعويضه أو ترميمه، وغالبا ما سيصب الأمر في النهاية، في صالح جماعات جهادية أخرى، ستعود على أرضية من القبول، وربما الترحاب أيضاً. يبقى لنا، في كل هذا، أمل وحيد، فربما إذا تراجع النظام عن سياسة "القوة الغاشمة"، ووضع سكان السيناء في لائحة أولويات حربه على الإرهاب، لأمكن كسر تلك الدائرة المغلقة من الدم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها