السبت 2017/11/25

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

ماذا قيل للأسد في سوتشي؟

السبت 2017/11/25
ماذا قيل للأسد في سوتشي؟
increase حجم الخط decrease
إذا كنا نريد أن نعرف ماذا ينتظر سوريا في الأفق القريب، علينا أن نعرف بشكل دقيق، لماذا تم جلب الأسد إلى سوتشي؟، وماذا قِيل له هناك؟

التصريحات الرسمية الروسية غير كافية للوقوف بشكل دقيق على ما دار بين بوتين والأسد في سوتشي. لكن تلك التصريحات، تُوحي في الوقت نفسه، بوجود مبادرة جادة للحل السياسي في سوريا، تحظى بتوافق إقليمي – دولي موسع، يتولى الروس دور المخرج لها.

فالإعلام الرسمي الروسي أشار إلى قضية لافتة، بعيد زيارة الأسد لسوتشي، وهي أن بوتين أطلع قادة إقليميين ودوليين، على نتائج لقائه بالأسد. قائمة أولئك القادة شملت كلاً من، الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والعاهل السعودي، عبر مكالمات هاتفية. وشملت أيضاً، كلاً من الرئيس الإيراني، والرئيس التركي، أثناء لقائهما الأخير ببوتين في سوتشي.

أي أن بوتين، ناقش نتائج لقائه بالأسد، مع القوى الخارجية الفاعلة في الميدان السوري، جميعاً. مما يُوحي بأن اللقاء مع الأسد تضمن معطيات نوعية. وهو ما ألهب بعض وسائل الإعلام لتمرير الشائعات، أو محاولات جس النبض المخابراتية، أو الرسائل السياسية بين الدول. على غرار ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية، بأن بوتين أخبر الأسد، أنه سيكون آخر رئيس علوي لسوريا. وما أشارت إليه وسيلة إعلام سعودية، عن نيّة الكرملين إخراج فاروق الشرع من إقامته الجبرية، ليترأس مؤتمر الحوار الوطني السوري، المزمع في سوتشي، بعد أسبوع.

وبعيداً عن شائعات وسائل الإعلام، يُوحي بيان المعارضة السورية في مؤتمر "الرياض 2"، بوجود نيّة دولية – إقليمية حقيقية لتلمس إمكانيات الحل السياسي في سوريا. فوجود بند يتحدث عن المفاوضات بلا شروط، يعني أن المعارضة، وافقت فعلياً، على التخلي عن شرط رحيل الأسد. لكنها، في الوقت نفسه، لم تتخلَ عن السعي للوصول إلى هذه الغاية، عبر الإشارة إلى أن نجاح العملية الانتقالية لا يتم إلا بمغادرة الأسد وزمرته.

تلك الصيغة الوسط، في نص بيان المعارضة السورية، تفتح آفاق المفاوضات المرتقبة في "جنيف 8"، على سيناريوهات عدة، من المستبعد أن يكون أحدها، رحيل الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية. إلا أن ذلك الرحيل سيبقى مطروحاً بقوة، خلال المرحلة الانتقالية، أو في نهايتها.

أي أن جلب الأسد إلى سوتشي، كان بهدف إبلاغه بضرورة تقبل استحقاقات بدء الحل السياسي في سوريا. وأن عليه أن يشارك في إدارة وترتيب المرحلة الانتقالية، بشكل آمن، يضمن سلامة مؤسسات الدولة السورية. على أن يكون رحيله مطروحاً بقوة، خلالها أو في نهايتها، حسبما تُفضي إليه المفاوضات المرتقبة، وتطورات المرحلة الانتقالية. وهو ما تؤكده تصريحات بوتين أثناء لقائه بنظيريه، الإيراني والتركي، بأن الأسد ملتزم بالحل السلمي للأزمة السورية، ومستعد لعملية الإصلاح الدستوري، والقبول بانتخابات حرة بإشراف من قبل الأمم المتحدة.

لا شك، فإن نظام الأسد يتمتع بخبرة في المماطلة والتهرب من الاستحقاقات المترتبة عليه. فالتزام الأسد أمام بوتين بكل ما سبق، لا يعني أنه ينوي فعلاً التخلي عن كرسي الحكم، في نهاية المطاف. لكن رغم ذلك، يعني ما سبق، أن القوى الإقليمية والدولية تسعى بشكل جاد لوقف صراعها الميداني في سوريا، ونقل ذلك الصراع إلى مربع السياسة.

قد يكون ذلك أبرز ما ينتظر سوريا في المدى القريب. أما كيف سيتطور الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في سوريا، بنسخته السياسية هذه المرة؟، فذلك مفتوح على سيناريوهات كثيرة، قد تحددها بشكل دقيق، الإجابة على مجموعة تساؤلات، من أبرزها، كيف سيتم حل معضلة الوجود الميداني الإيراني، على الأراضي السورية، والقلق الإسرائيلي حياله؟

لكن، هل بالضرورة أن القراءة آنفة التفصيل، هي الوحيدة لما حدث في سوتشي، بين بوتين والأسد؟ لا، بالتأكيد. هناك قراءات أخرى، تستند إلى مؤشرات مختلفة، تقلل بصورة كبيرة من نوعية ما حدث في سوتشي. من قبيل، أن استدعاء الأسد بهذه الطريقة، إلى روسيا، وتقديمه لقادة الجيش الروسي، كان بهدف الإيحاء بأن روسيا هي من صنعت "الانتصار" على "داعش" في سوريا، وذلك رداً على إعلان دمشق وطهران للنصر على "داعش"، بشكل منفصل عن الحليف الروسي.

ووفق القراءة الأخيرة، تحاول روسيا، عبثاً، الإيحاء بأنها هي من يقود المحور الإيراني في المنطقة. وأنها قادرة على ضبط اللاعب الإيراني. محاولات الإيحاء تلك، تستهدف إقناع الأمريكيين والإسرائيليين، بجدارة الاعتماد على الشريك الروسي. لكنها، في نهاية المطاف، لا تقدم جديداً على الأرض. فالإيرانيون هم الأقوى في تركيبة التحالف تلك.

إذا صحت هذه القراءة الثانية، لما حدث بين بوتين والأسد في سوتشي، فهذا يعني، أن لا جديد نوعياً في أفق سوريا القريب. وأن جولات جنيف وسوتشي التفاوضية المرتقبة، ستكون محض عبث، لا يعكس الواقع على الأرض عملياً. وأن الصراع الميداني بين القوى الإقليمية والدولية في سوريا، تنتظره جولات جديدة.

قراءتان مختلفتان تماماً، لما قيل للأسد في سوتشي. كل منهما تعتمد مؤشرات بعينها. وتفضي كل منهما، إلى نتائج مختلفة تماماً. ويبقى حسم أي القراءتين هو ما حدث بالفعل، وقفاً على مدى الجديّة المطروحة في أداء النظام التفاوضي، تحديداً، في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. ومقدار جديّة الروس في الضغط عليه، خلال سير تلك المفاوضات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها