الجمعة 2017/11/24

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

المال أولاً

الجمعة 2017/11/24
increase حجم الخط decrease

كان اليومان الماضيان مليئين بمشاعر الحنان والوحدة الوطنية، من عناق رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اللقاءات الجانبية والمصافحات والابتسامات في القصر الجمهوري، إلى بيت الوسط حيث خاطب رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري جمهوره في لقاء فاض بالعاطفة.

سياسياً، يتجه لبنان نحو ارساء استقراره السياسي والأمني والاقتصادي وفقاً للمعادلة الحكومية السابقة مع بعض التعديلات في السياسة الخارجية والعلاقة مع الجوار العربي. و”حزب الله“، بصفته الطرف الأساسي المعني بهذه المعادلة، أبدى انفتاحاً حيال الحوار ومرونة في تقديم التنازلات لبقاء الحكومة. ومثل هذه التنازلات متوقعة في مجال سياسة ”النأي بالنفس“ التي طالب بها الحريري عند اعلانه تريثه في تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية، تمهيداً لمشاورات في هذا الشأن. ستشمل هذه التنازلات فريق الحريري نفسه، كما أعلن. وقد تُشكل مثل هذه السياسة، حُجة لإقصاء أو تحجيم من تبنى موقفاً تصعيدياً مخالفاً لرغبة العائلة خلال الأسبوعين الماضيين. والحقيقة أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت على هذا الصعيد، ومن الطرفين. بيد أن ”حزب الله“ ما زال في ساحات القتال السورية، ويحتاج الى استقرار في لبنان يضمن قاعدته الشعبية ريثما يُكمل المهمة عسكرياً وسياسياً.

هذا في العواطف والسياسة، ولكن الكلام الأهم يبقى في مقام آخر: المال والاقتصاد. فلا يُعقل أن يكون هذا التماسك الرهيب بين مكونات السُلطة، سياسياً وعاطفياً، وليد لحظة استثنائية أو نتيجة عنفوان وطني لدى السياسيين اللبنانيين. لم نعهدهم طيلة العقود الماضية، في مثل هذه المواضع، بل اعتدنا على عدم الاكتراث بالمصلحة الوطنية والتراشق والاقتتال بسيوف الخارج.

الأساس في هذا التماسك هو شبكة مصالح اقتصادية وشراكات تربط مكونات السلطة اللبنانية، بغض النظر عن الخلاف السياسي بينها. في قلب هذه المصالح المشتركة، ما بات يُعرف بإسم ”المشاريع الكبرى“، مثل عقود الغاز في الجانب اللبناني من البحر المتوسط، وأيضاً مد الألياف البصرية (فايبر أوبتكس) وانشاء شبكة مواصلات جديدة قوامها القطارات وتوسعة المطار.

واللافت أن عقود الغاز، وهي الأكثر أهمية في ما سلف ذكره، كانت حاضرة في خضم الأزمة، وتحديداً في اعلان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل من موسكو أن "لبنان كان على وشك التوقيع لأول مرة في تاريخه على عقود استخراج الغاز في البحر اللبناني بمشاركة شركات روسية. هناك محاولة لحرف لبنان عن المجال الإيجابي”. قبلها بأسابيع كان باسيل يُوقع في موسكو تفاهماً مع الجانب الروسي في مجال عقود الغاز.

وقبيل عودة الحريري للمشاركة في عرض عيد الاستقلال، إلى جانب رئيسي الجمهورية ميشال عون والنواب نبيه بري، كشفت تقارير اعلامية عن مفاوضات تجري بين هيئة التنقيب عن النفط اللبنانية وبين تحالف شركات توتال الفرنسية وإيني الايطالية ونوفاتك الروسية للحصول على حقوق التنقيب في بلوكين هما 4 و 9 المجاور لإسرائيل. بلوكان من أصل 10 هي وبحسب مصادر هذه الشركات ووزارة الطاقة، كانت مصدر الخوف الأساسي من  أثر مضي الحريري بقراره الاستقالة واطاحة الحكومة، على مصير هذه الصفقة. لكن مع زوال هذه المخاوف والتريث في الاستقالة، ستُبرم هذه العقود خلال أسابيع.

على صعيد تمديد الانترنت السريع (شبكة الألياف البصرية أو الفايبر أوبتكس)، فإن شركتي «غلوبال داتا سرفيسز» و«وايفز» اللتين اتهم النائب الكتائبي سامر سعادة، الحريري وباسيل بامتلاكهما، تباعاً، مرشحتان لأن تحصدا أرباحاً طائلة على حساب أوجيرو، أي الدولة عملياً. وعودة الحكومة كفيلة بفك العقد، وتيسير هذه المشاريع المربحة والعابرة للانقسام السياسي.

لكن الصورة ليست كلها قاتمة. بيد أن هذه المشاريع، رغم الفوائد الشخصية لها، ليست سيئة لو قورنت بالاحتمالات الأخرى الواردة في لبنان كالحصار الاقتصادي والتوتر الأمني وانعدام الاستقرار. بالعكس، قد تؤدي هذه الانجازات الى تفعيل الاقتصاد، وربما مضاعفة نموه من النسبة الضئيلة حالياً، وهي 2.5%، إلى الـ7% التي يحتاجها البلد لمواجهة التضخم السنوي في الدين العام.

خلال الأسابيع المقبلة، سنرى سباقاً لاعلان الانجازات، تحت شعارات الوحدة الوطنية والعهد القوي، تترافق مع تسويات محلية واقليمية. خلف كل هذا السراب، يبقى المبدأ الأهم لحركة مكونات هذه السلطة: المال أولاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها