الإثنين 2017/11/20

آخر تحديث: 02:04 (بيروت)

عن مصانع الذل في لبنان

الإثنين 2017/11/20
increase حجم الخط decrease

لا يخلو حديث في بيروت، أكان اجتماعياً أم سياسياً، من إسهاب في تناول ”الإذلال“ الذي تعرضنا له كلبنانيين خلال الأسبوعين الماضيين، أي منذ السفر الطارئ لرئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري إلى الرياض. ليس سهلاً أن  يُشاهد بلد بأكمله، ومن دون سابق انذار، انهياراً شاملاً لتسوية تحكمه منذ عام، وخروج رئيس الحكومة عن السمع لأيام بعد استقالة مفاجئة!

سبق هذا ”الإذلال“ بسنوات، شعور بالعجز العام حيال حزب أطاح ارادتنا، وصادر قرار الحرب والسلم، وبات سلاحه لاعباً سياسياً يُساعد في تبديل المواقف، واطاحة حكومة وابدالها بأخرى. ولو نسينا أحياناً وجود هذا الذل نتيجة فقاعاتنا الاجتماعية-السياسية، يخرج ضابط أو سياسي إيراني لتذكيرنا بأننا ”تحت السيطرة“. حتى الرئيس الايراني المعتدل حسن روحاني ”بلّ يده“ بنا قبل أسابيع، وصرح بأن أمراً لا يحدث هنا إلا إذا أخذ الموقف الايراني في الاعتبار.

وفوق كل ذلك، يحكمنا سياسيون فشلوا في اتمام مشاريع انمائية وايجاد أرضية اقتصادية تقينا بعض الخضات الخارجية. بعيداً عن ثرواتهم الشخصية، لم يحقق هؤلاء الساسة إنجازات تُذكر، فلا كهرباء أو مياه من الدولة، ولا مواصلات عامة ولا انترنت سريع ولا من يحزنون. حتى في القطاعات التي لا تتطلب مجهوداً من الدولة، مثل تلزيم قطاع الغاز الراكد منذ سنوات، يحول الصراع على الغنائم دون تحقيق أي تقدم يُذكر.

إذاً، كُنا نسير على رجل واحدة، ولا يتطلب إسقاطنا الكثير. بيد أن العالم بأسره يعرف بأن لبنان دولة عاجزة. وعلى عكس ما يدعي الملالي المسلحون في هذا البلد وحلفاؤهم العنصريون، كانت علاقتنا مع العالم الغربي قائمة على منعنا من الانهيار لأننا في جوار بلد يُعاني حرباً أهلية، ولأننا أيضاً نستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري. ولو قيض لحرب أن تندلع عندنا، قد يجتاز هؤلاء ومعهم مليون لبناني أو أكثر البحر المتوسط الى شواطئ أوروبا.

هذه هي الحقيقة وراء كل ذرة استقرار في لبنان.

إيران وضعت خطوطاً حمراء عام 2005وفي 2008 أيضاً. تكمن قوة هذه الخطوط أن طهران لا تمانع جرّ البلاد الى حرب طاحنة لو اقتضى الأمر، حفاظاً على مصالحها وقاعدتها الاستراتيجية في لبنان. وللأسف، يتبدى يومياً أن هذه الخطوط الحمراء تتسع شيئاً فشيئاً، إذ أن تورط البلد بأكمله في حرب اليمن، البعيد عنه بآلاف الكيلومترات، بات خطاً أحمر يستأهل تدمير ما تبقى من اقتصادنا الوطني والاستقرار الأمني.

أخذنا الإيرانيون رهائن منذ فترة، وباتت حريتهم في الحركة من لبنان، ثمناً لاستقراره. واليوم، لم تعد هذه التسويات اللبنانية ملائمة للسعودية، الطرف الآخر في المعادلة، في ظل انتهاجها سياسة تصعيد جديدة ضد النفوذ الإيراني.

وانهاء التسويات في لبنان قرار إما سعودي أو ايراني. واكتشفنا خلال الأيام الماضية أن هناك مجموعة نافذة داخل التيار الأزرق واعلامه لا تأتمر بزعيمها اللبناني، بل يديرها مسؤولون سعوديون. يطمح هؤلاء لأن يكونوا شركاء في تعاستنا.

المصلحة اللبنانية تفترض عدم التصعيد، إن كان لجهة الحفاظ على الاقتصاد وثبات العملة اللبنانية، أم لناحية تفادي الانزلاق الى الفوضى والتوتر. وقد يكون البند الأخير الأهم، لو أخذنا في الاعتبار الحرب السورية وأثارها على السوريين، وحقيقة أننا خرجنا قبل ربع قرن فقط من حرب أهلية مدمرة ما زالت آثارها حيّة.

لا يهم كل ذلك. بات اللبنانيون مسلوبي الإرادة، والزمن زمن تصعيد. حتى الجامعة العربية صوّبت بالأمس نيرانها، وأجمعت على التصعيد ضد ايران و”حزب الله“. صرنا مكشوفين بالكامل، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ولم يعد أمامنا اليوم سوى انتظار من يُطلق علينا النار أولاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها