الإثنين 2017/11/13

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

حرب على حزب الله أم الحريري؟

الإثنين 2017/11/13
increase حجم الخط decrease

يوم الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي علامة فارقة في المسار السياسي داخل لبنان. وتسلسل الأحداث منذ ذلك الحين، دراماتيكي لكنه بدأ يكشف عن أوراق مُبعثرة وعثرات وعن مستوى التدخل الاقليمي في هذا البلد المُثقل بالأزمات.

قبل الرابع من تشرين الثاني، كانت السياسة اللبنانية ساحة معركة بين فريق ”حزب الله“ المتخبط في كيفية ترجمة انتصاره السوري في الداخل اللبناني حيث التوازنات والتفاهمات أرست معادلة لم تعد تُناسب توازن القوى الجديد في المنطقة.

رغبة ”حزب الله“ في إعادة العلاقات ”المميزة“ بين النظام السوري والدولة اللبنانية، اصطدمت بتيار المستقبل بقيادة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وحليفه السابق في ١٤ آذار حزب القوات اللبنانية. كان الامتحان الأول لقاءً بين وزيري الخارجية السوري وليد المعلم واللبناني جبران باسيل في أيلول الماضي، لكن سرعان ما واجه عاصفة انتقادات في السياسة والاعلام.

رغم ضعفه سياسياً ومالياً، أراد الحريري ارساء بعض التوازن في هذه المقاربة. حاول فتح باب الاستثمارات في إعادة إعمار سوريا عبر البوابة الروسية من جهة، والحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الرسمية بين دولتين من جهة ثانية. وللجانب الأول علاقة طبعاً بالأزمة المالية لدى الحريري، وأيضاً تفاهمه مع التيار الوطني الحر.

وهذا التفاهم لم يكن خالصاً لمصلحة ”حزب الله“، بل ظهرت مؤشرات إلى أن العلاقة بين التيارين تطورت إلى حد تمرير الرسائل العونية عبر الحريري. بعد تصريح الرئيس الايراني حسن روحاني عن نفوذ بلاده في ايران، رد الرئيس الحريري بتصريح رسمي واضح حظي بحسب مصادر عديدة بتغطية وموافقة من الرئيس اللبناني ميشال عون. انزعج الأخير وأوساطه من الكلام الايراني لانعكاسه سلباً على صورة العهد، واستُخدم التفاهم مع الحريري لابلاغ طهران رسالة استياء.

هذا الحد الأقصى الممكن لضبط ”حزب الله“، حفاظاً على الاستقرار ومؤسسات الدولة اللبنانية ونمو الاقتصاد، ولو بنسب ضئيلة. بما أن سحب سلاح الحزب دون حرب أهلية، من الأولى تعزيز الدولة بانتظار تغير ما في طهران، سياسياً أو مالياً، بما يتيح إعادة فتح الملف وايجاد حلول محلية له. تدمير تفاهمات الرئاسة، سيهز الاستقرار الأمني والمالي والاقتصادي (المُهدد أصلاً نتيجة فساد الطبقة السياسية اللبنانية). باختصار، لن تبقى دولة، وبدلاً من ميليشيا واحدة، سنواجه فوضى شاملة.

هذا التوازن كان قائماً قبل الرابع من تشرين الثاني. بعد اعلان الحريري استقالته في ذلك التاريخ، دون تمهيد أو تواصل مع وزرائه وعائلته ومساعديه، قد تصل هذه الحقبة إلى نهايتها، وفقاً لأوساط سياسية وديبلوماسية.

في اليومين التاليين للإستقالة، كان الرأي الغالب لدى مجموعة من الديبلوماسيين الغربيين والمسؤولين في فريق الحريري، أن السعودية قررت عبر استقالة الحريري اغلاق ملف هذه الحكومة، وأرضية التفاهم عليها، واعادة تشكيلها بشرطين أساسيين: أولاً، استثناء وزراء حزب الله منها، وثانياً، وضع سلاح الحزب على طاولة الحوار. وإن لم يقبل الحزب، فإن لبنان واللبنانيين بأسرهم أعداء، وستُشن حرب اقتصادية وربما عسكرية عليهم. برر هؤلاء قلة حديث الحريري معهم بطبعه، إذ لا يُسهب في الكلام بالسياسة، كما يفعل في قضايا أخرى.

لكن بعد ثلاثة أيام، بدأت الرواية المنشورة سابقاً عن ارغام الحريري على الاستقالة ووضعه في الاقامة الجبرية، تأخذ بعضاً من الصدقية نتيجة ورود معلومات من عائلته والقريبين منه في هذا الشأن. من تحدثت معهم في اليومين الأولين من فريق الحريري، بدلوا رأيهم وباتوا على قناعة بأن زعيمهم محتجز، وبالتالي فإن الاستقالة والتصعيد المرافق لها، ليسا نافذين حتى عودته.

في السابع والثامن من هذا الشهر، الدبلوماسيون الغربيون في بيروت بدأوا بالحديث عن وضع الحريري. دبلوماسي غربي رفيع المستوى أبلغني بأن الرئيس الحريري ”مربوط بحبل قصير“، أي أن حركته مقيّدة. بغياب  استقلالية قرار الحريري، ولو فولكلورياً في هذه الطبقة المرتهنة للخارج، تبدل الموقف الأوروبي، وعاد إلى تجديد دعمه للاستقرار وللحكومة اللبنانية. كان القلق من التردد الأميركي في اتخاذ موقف من الاستقالة، في ظل العلاقة المتينة بين الرئيس دونالد ترامب والقيادة السعودية.

صار واضحاً قبل عطلة نهاية الأسبوع أن الاهتمام، إعلامياً وسياسياً، لم يعد منصباً على التوسع الايراني، ولا الصاروخ الحوثي، ولا التصعيد، بل على مسألة واحدة: أن هناك دولة تحتجز رئيساً لوزراء دولة ثانية. رغم التردد الأولي للصحافة الغربية، إلا أن الأخبار توالت من وكالة ”رويترز“ وصحف مرموقة مثل ”واشنطن بوست“ عن رواية الاستقالة واحتجاز هواتف الحريري.

وهذا التحول فرض مساراً غربياً متناسقاً لإيجاد مخرج للأزمة يحفظ ماء وجه السعودية وحلفائها. أولاً، اعادة الاعتبار للحريري داخل المملكة، وهذا ما ظهر جلياً في لقاءاته. وثانياً، الضغط باتجاه عودته من خلال اعتباره رئيساً حالياً للوزراء وعدم الاعتراف بدستورية استقالته من الخارج. وأخيراً، عدم استفزاز الرياض باتهامها علناً باحتجاز الحريري، والبقاء على تصريحات متحفظة مثل ”لا دليل لنا حتى الآن“، أو حصر حريته جغرافياً (حر في تحركاته داخل السعودية). في الوقت ذاته، تُمارس القنوات الدبلوماسية ضغوطاً للسماح له بالعودة، في حين يُسرّب مسؤولون غربيون تصريحات للصحافة عن القيود على الحريري.

هناك قناعة غربية راسخة بأن الحكومة الحالية أفضل الممكن، وأن حزب الله قد يقتنص فرصة انهيارها لإعادة خلط الأوراق، والدفع بأجندة جديدة تضمن اعادة توثيق العلاقة بين مؤسسات الدولة والنظام السوري. وأي تصعيد سعودي ضد لبنان، اقتصادياً، بحسب هذه المصادر الدبلوماسية، سيُساعد الحزب الذي سيسعى الى ملء الفراغ من خلال محوره. والمثال الأكبر على ذلك هو قطاع السياحة، إذ بعدما منعت دول الخليج مواطنيها من السياحة في لبنان، تعززت السياحة العراقية. بات المرضى العراقيون أساسيين للمستشفيات الخاصة في لبنان. ومثل هذه الروابط الاقتصادية بمحور يواليه الحزب، تُعزز أوراق نفوذه.

وبحسب المصادر الغربية ذاتها، فإن للعقوبات الاقتصادية المرتقبة على لبنان، أثراً معاكساً، سيما أن الاغتراب الشيعي يتركز في أفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا. ولهذا السبب تحديداً، تراجعت واشنطن عن خطوة وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، لئلا تملأ ايران أو روسيا الفراغ. وبالتالي، بالإمكان القول إن هناك اجماعاً غربياً على دعم الاقتصاد والمؤسسات الرسمية اللبنانية لحفظ التوازن القائم حالياً.

وخريطة الطريق تمر عبر إصلاح السعودية علاقتها بالحريري، وعودته عن استقالته في المقابلة التلفزيونية، ومن ثم إعادته للبنان لمتابعة مهامه قبل فوات الأوان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها