السبت 2017/11/11

آخر تحديث: 17:59 (بيروت)

البوكمال، وطبول الحرب الكبرى

السبت 2017/11/11
البوكمال، وطبول الحرب الكبرى
increase حجم الخط decrease

فيما تدق طبول حرب كبرى في المنطقة، وسط حديثٍ متواترٍ عن تنسيق سعودي – إسرائيلي غير معلن، بغية وضع حدٍ للنفوذ الإيراني المتفاقم.. يراقب الأمريكيون، دون أي رد فعل ملحوظ، الولادة المرتقبة لـ "الهلال الشيعي"، في البوكمال.


يحاول فريق واسع من الساسة والإعلاميين اللبنانيين، التقليل من مخاطر حرب مرتقبة كبرى، على ترابه. ويعتبرونها تهويلاً. لكن الجميع يُقر بأن الفترة القادمة ستشهد حرباً سياسية واقتصادية (مالية) شرسة ضد حزب الله، بالتزامن مع عقوبات أمريكية مرتقبة تضيق الخناق على الحزب، وقد تهدد الاقتصاد اللبناني برمته، بعد الخطوة السعودية الرامية إلى سحب الشرعية من الحكومة اللبنانية، باستقالة رئيسها، سعد الحريري.


الحرب بشقها السياسي قد تكون عبر قيادات لبنانية سُنية مرشحة لأن تلعب دور رأس الحربة في تأزيم المشهد اللبناني، أكثر فأكثر. وهذه الحرب، بشقيها السياسي – الاقتصادي، مرشحة بقوة لأن تتحول إلى حرب عسكرية كبرى. يُنبئ بذلك، تزامن التطورات الدراماتيكية في لبنان، مع إجراء سلاح الجو الإسرائيلي أكبر مناورة في تاريخه.


وفيما يقر فريق واسع من المراقبين بأن الحرب الثالثة في لبنان، لن تقف عند حدوده. يثير الموقف الأمريكي المتفرج على وصل عُرى "الهلال الشيعي" في البوكمال، الكثير من التساؤلات.


أُشيع منذ أيام أن الأمريكيين استهدفوا بقصف جوي ميليشيات من الحشد الشعبي المتقدمة نحو البوكمال، من الشرق العراقي. لكن تلك المعلومات كانت، في ما يبدو، ضعيفة المصداقية. فالميليشيات الشيعية العراقية، التقت مع نظيرتها الناشطة في سوريا، قرب آخر معاقل "داعش". وحظيت تلك الميليشيات بتغطية جوية من سلاح الجو العراقي، التابع للجيش المتحالف مع الأمريكيين أنفسهم. وحالياً، تدور المعارك الأخيرة للسيطرة على البوكمال، وسط مقاومة شرسة للتنظيم.


في حديثه أمس، أكد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أن لديه معلومات، بأن السعودية طلبت من إسرائيل شن حربٍ عليه، في لبنان. لكنه قلل من احتمال حصول هذه الحرب. ويبدو جلياً، للمراقب، أن التنسيق السعودي – الإسرائيلي، غير المعلن، بات في أوجه، بعد استقالة الحريري. لكن يبقى السؤال، أين الأمريكيون من كل ذلك؟


هل كانت واشنطن عاجزة عن منع التئام عُرى "الهلال الشيعي" قرب البوكمال، وتحقيق حلم إيراني قديم بالسيطرة على طرق برية دولية، تصل طهران عبر بغداد، بدمشق وبيروت؟


حتى اللحظة، لم يتم الالتئام المُنتظر لهذا "الهلال". فمقاتلو "داعش" شنوا هجوماً معاكساً استعادوا معه نصف المدينة. ويقاومون بشراسة من داخل أحيائها. لكن من المرجح، أن مسألة السيطرة على المدينة، قضية وقت لا أكثر.


فإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية، على قدرٍ من التنسيق مع كل من إسرائيل والسعودية في حرب سياسية – اقتصادية، بغية الضغط على حليف إيران الرئيس في لبنان.. لماذا سمحت للمقاتلين الشيعة بتأمين المد اللوجستي الذي يحتاجونه، عبر الحدود العراقية – السورية؟


لم يتطرق الكثيرون للإجابة على هذا التساؤل. وهناك نظريات عديدة تحاول تقديم فهم محدد للسياسة الأمريكية، بهذا الخصوص. إحدى تلك النظريات تقول بأن الأمريكيين غير مستعدين للمخاطرة في شرق سوريا، بصورة قد تدفع بهم للتورط في مواجهة مباشرة مع الروس. بطبيعة الحال، هناك معلومات عن دور للغطاء الجوي الروسي، في معارك البوكمال الأخيرة.


لكن هذه النظرية، في ضوء التطورات الراهنة، وارتفاع حدة التوتر، على الأقل، النفسي منه، تعني أن الأمريكيين بصدد تلزيم أي مواجهة عسكرية في المنطقة، لحلفائهم، بعيداً عن أي تورط مباشر من جانبهم. أي تلزيم هذه المواجهة لإسرائيل، بالدرجة الأولى. مع ما قد يعنيه ذلك، من تهديد لأمن سكان الشمال الإسرائيلي. وبالتالي، يُوحي ذلك بأن السياسة الأمريكية تتعامل مع إسرائيل، كأداة، أكثر منها، حليفاً تُعنى واشنطن بأمنه. أو بتفسيرٍ أقل حدة من السابق، واشنطن غير مستعدة للتورط في حروب مكلفة من أجل أي حليف، حتى لو كان ذلك الحليف، إسرائيل، الممتعضة بشدة من التمدد الإيراني في سوريا ولبنان. أو السعودية التي كاد صاروخ إيراني يطال عاصمتها. وفي أفضل الأحوال، قد تقوم واشنطن بمهمة دعم الحليف الإسرائيلي في أي حرب مقبلة، دعماً مالياً وعسكرياً، مع استبعاد قيامها بتدخل عسكري مباشر.


لكن نظرية أخرى، تقدم قراءة مختلفة للمشهد. طبول الحرب مجرد تهويل بالفعل. وهذا التهويل غايته التغطية على أزمات وصراعات داخلية تعتمل داخل السعودية وإسرائيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، لا ضرر من تفعيل التوتر السياسي، وإلحاقه بضغوط اقتصادية على حليف إيران في لبنان، مقابل تقديم الخطر الإيراني بوصفه "الخصم" الذي يتطلب رص الصفوف وراء القيادة، كخطابٍ يستهدف الرأي العام الداخلي، في السعودية. وكذلك في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ومع تراجع صلاحية "داعش"، كـ "خصم" يمكن استثماره لامتلاك الرأي العام الداخلي، لا بد من إعادة تضخيم الخطر الإيراني.


يدعم هذه النظرية، تطورات داخلية دراماتيكية في السعودية. لا بد أنها تحتل الأولوية في نظر الأمير محمد بن سلمان. ومن المستبعد أن يكون هذا الشاب الطموح بكرسي حكم متفرد، يفكر بمواجهة خارجية تؤثر على حظوظ انفراده المطلق بالسلطة.


قريباً من الرياض، في القدس الغربية، يُستدعى بنيامين نتنياهو من جديد، للتحقيق معه في اتهامات فساد. الرجل السياسي المحنك، الذي يُوصف بأنه الأقوى والأكثر حظاً في الشارع الإسرائيلي اليوم، استطاع أن ينجو مراراً من تهم الفساد التي حامت حوله، في المرات السابقة. وللنجاة هذه المرة أيضاً، يمكن للتهويل بالخطر الإيراني، أن يخدم استقرار شعبيته في الشارع الإسرائيلي في مواجهة خصومه الداخليين.


أما في واشنطن. يسعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بكل السبل، للنجاة من حبل مشنقة، التواطؤ مع روسيا. ويخضع مراراً وتكراراً لضغوط قادة المؤسسات في الدولة العميقة بواشنطن، خلافاً لرغباته الشخصية، ويمتنع عن إجراء لقاء مطول مع بوتين في فيتنام، بعد فشل تفاهم كان يتم الإعداد له حول سوريا.


على الجبهات الثلاث. يخدم التهويل بحرب كبرى مع الخصم الإيراني، مساعي توطيد السلطة للزعماء في العواصم الثلاثة. ويخدم أيضاً في زيادة الضغوط على الإيرانيين وحلفائهم، المحليين منهم (حزب الله في لبنان وسوريا)، والدوليين، (في موسكو).


لكن، نظرية ثالثة تقدم قراءة مختلفة لكل ما سبق. والأمريكيون حسب هذه النظرية، يريدون توريط كل الأطراف في المنطقة، بالمزيد من الاستنزاف. ويريدون أن يبقى أوار الحرب مستعراً. فإن انطفأ في سوريا، يجب أن يشتعل مرة أخرى. ولا مانع من أن يمتد إلى لبنان. وأن يهدد الخليج، بما يخدم المزيد من الاستنزاف العسكري والمالي للإيرانيين والروس والأتراك. وللخليجيين أيضاً عبر شراء المزيد من ترسانات السلاح، ودفع المزيد من الأموال، لنيل الحماية الأمريكية. وربما، حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله، في لبنان، تمتد إلى سوريا، قد تخدم ذلك. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، لا بد من إتاحة الهامش اللوجستي المناسب، لتدفق الدعم التسليحي والبشري، الآتي من طهران، عبر العراق، إلى سوريا ولبنان. لذا، يجب أن تكون البوكمال، عقدة الوصل في ذلك. إنه فخ أمريكي للإيرانيين، فيما يعتبره الإيرانيون نصراً.


نظرية رابعة أقل دراماتيكية من كل ما سبق. الأمر لا يعدو ارتباكاً وضعفاً في إدارة الرئيس الأمريكي. ناهيك عن أن سوريا في ذيل قائمة اهتمامات تلك الإدارة المُنهمكة بالكثير من القضايا، الأكثر حيوية. وما دام الصراع في الإقليم، بين السعوديين من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، ما يزال يعتمد مبدأ الحرب بالوكالة. لا يوجد ما يُلح على الأمريكيين، بضرورة التدخل.


بكل الأحوال. أياً كان التفسير الدقيق لقبول الأمريكيين بسيطرة الإيرانيين وحلفائهم على البوكمال، فإن النتيجة الرئيسية على صعيد المشهد السوري، واحدة. فالحل السياسي، في أحسن الأحوال، لن يكون قريباً. إن لم تكن سوريا في الطريق لجولة جديدة من الصراع الميداني. بدأت ملامحها تلوح في الأفق، عبر حديث إيراني عن تقدم مرتقب إلى الرقة أو إدلب. فيما تتفاعل تطورات ميدانية على جبهة ريف حماه الشمالي وريف حلب الجنوبي والغربي، تُنبئ بأن اتفاق خفض التصعيد في تلك المنطقة، في طريقه، للانهيار.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها