الجمعة 2017/10/06

آخر تحديث: 10:27 (بيروت)

تلاشي الزعامة الاميركية

الجمعة 2017/10/06
increase حجم الخط decrease

في طهران، عقد قائد اركان الجيش التركي الجنرال خلوصي اكار مباحثات، تلى ذلك زيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى كل من مرشد الثورة علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. وجاءت الزيارة التركية الى ايران عقب زيارة مماثلة، ونادرة، قام بها رئيس اركان الجيش الايراني محمد باقري الى تركيا قبل اسابيع.


وتوافق الايرانيون والاتراك على منع قيام دولة كردية مستقلة شمال العراق، ويشارك العراقيون هذا التوافق، وهو ما انعكس تحسنا في العلاقات بين بغداد وانقرة، بعد سنوات من التوتر بين العاصمتين على خلفية وجود قاعدة عسكرية تركية في بلدة بعشيقة الحدودية.


وكانت الولايات المتحدة حاولت مرارا، على مدى الاعوام الماضية، انهاء القطيعة بين حليفتيها بغداد وانقرة، من دون ان توفق في ذلك. كما حاولت واشنطن — على مدى اكثر من عقد — تذليل الخلافات بين بغداد واقليم كردستان، من دون ان توفق في ذلك ايضا.


وفي موسكو، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، في زيارة هي الأولى من نوعها لعاهل سعودي، وهي زيارة جاءت بعد اسابيع على اعلان تركيا نيتها شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية ”اس400“.


وفيما تتدبر ايران وتركيا والعراق كيفية التعامل مع امكانية الاستقلال الكردي، وفيما تشتري تركيا، عضو ”تحالف الاطلسي“، سلاحا روسيا في خطوة غير مسبوقة، وفيما يزور ملك السعودية موسكو، في خطوة غير مسبوقة كذلك، يغرّد الرئيس الاميركي دونالد ترامب، عبر تويتر، ان قناة فوكس الاخبارية اليمينية حققت نسب مشاهدة اعلى بكثير من القنوات اليسارية، التي يكرهها ترامب، ويسميها ”اعلاما مزيفا“، مثل قنوات ”سي ان ان“ و“ام اس ان بي سي“ و“ان بي سي“.


التطورات في منطقة الشرق الاوسط واوروبا، حيث تسعى كتالونيا للانفصال عن اسبانيا في وقت يعمل ”الاتحاد الاوروبي“ على حل الخلاف، هي شكل ”العالم الجديد“ الذي يعيش من دون الزعامة الاميركية، وهي الزعامة التي شغلت العالم على مدى النصف الثاني من القرن الماضي، قبل ان تغرق فجأة مع مطلع الالفية.


غياب الزعامة الاميركية أدى الى عاصفة من المواجهات داخل معسكر حلفاء الولايات المتحدة، فاندلعت سلسلة من الأزمات بين الحلفاء، وهي أزمات شملت حتى الآن، تركيا والعراق واقليم كردستان والامارات والسعودية وقطر ومصر والبحرين، من دون ان تبادر واشنطن للقيام بأي مجهود جدي لحل اي من هذه الأزمات، او لاعادة التوازن بين الحلفاء ولعب دور ضابط الخلافات الممكنة بينهم.


ولتلاشي الزعامة الاميركية في العالم اسباب عديدة، قد يكون ابرزها مشكلة تتعلق بطبيعة الديموقراطية، التي تمنح الغالبية حق اختيار الحاكم، حتى لو كان الحاكم مهرجا مثل ترامب.


هكذا، منذ نهاية رئاسة بيل كلينتون، توالى على الرئاسة ثلاثة من الشخصيات الاميركية التي ساهمت في تغييب أميركا اكثر فأكثر عن العالم. جورج بوش بالغ في تقدير مقدرة القوة العسكرية الاميركية على نشر الديموقراطية حول العالم. باراك أوباما استخف بقوة الولايات المتحدة ونفوذها وراهن على افكار خيالية مثل ”قوس التاريخ“. اما دونالد ترامب، فهو الطامة الكبرى، وهو لم يسبق ان شغل اي منصب غير في شركات المليونير والده، وهو يعيش في عالمه الافتراضي، ويدير البلاد عبر حسابه على موقع تويتر.


ولاثبات ان شخصية الرئيس هي العامل الأول في اداء الدول ودورها ونفوذها حول العالم، يمكن النظر الى مثال روسيا، فهذه القوة الآفلة يتقلص اقتصادها ويتناقص عدد سكانها، لكن دورها العالمي يتعاظم، وهذا يرتبط حصرا بشخصية بوتين، الذي راكم خبرة دولية كافية، فضلا عن ذكائه الفطري، جعلت من الكلبتوقراطية (الدولة التي تسيطر عليها زمرة من الفاسدين المستفيدين من النظام) التي يديرها قوة عظمى صاعدة في الشرق الاوسط ومعظم اصقاع العالم.


فيما ينشغل من كان يعرف يوما بـ ”زعيم العالم الحر“ في اشعال ”الحروب الثقافية“ في الولايات المتحدة سعيا للحفاظ على تأييده بين اليمين الاميركي وتمهيدا لاعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، تتلاشى الزعامة الاميركية حول العالم، وتمضي الدول لملء الفراغ وتسيير امورها، فالعالم لن يتوقف في انتظار استعادة اميركا توازنها، ان هي استعادته يوما.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها