الثلاثاء 2017/10/17

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

"عشان تِبنيها"

الثلاثاء 2017/10/17
increase حجم الخط decrease
في اليوم الأول لانطلاقتها، أعلن عضو مجلس النواب، الدكتور كريم سالم، وهو أحد مؤسسي حملة "عشان تبنيها" المطالِبة بترشح السيسي لفترة رئاسة جديدة، بأن الحملة بالفعل من الممكن لها أن تتحول إلى حزب سياسي يحمل أفكار الرئيس. وفيما اجتذبت صور نجوم الفن والرياضة والإعلام، وهم يوقعون على استمارات الحملة، الاهتمام الأكبر، مع الكثير من السخرية، فإن أخبار التغطية الإعلامية لها تكشف عن جهد وتنسيق عالٍ لا تنقصه الموارد الضخمة: "انضمام 171 نائباً.. وهناك 180 مقراً في المحافظات"، "حزب مستقبل وطن ينضم رسمياً للحملة ويوفر 118 مقراً"، " الحملة تفتح باب التطوع في بورسعيد"، و"قامت بنسخ 350 ألف استمارة في الإسكندرية"، " توقيع ألف استمارة بدمياط"، "أول نشاط للحملة في الخارج، يبدأ في البحرين"، "طبع 100 ألف استمارة في الغربية في يوم واحد"، "الصناعات الغذائية أول نقابة تدعم الحملة"، "قيادات وعاملون بالمترو يوقعون"، "رئيس نادي سموحة يوقع"، "مهران يعدل عن ترشحه للرئاسة ويوقع".. وغيرها من الأخبار التي تشير إلى انضمام محافظين، ورؤساء أحياء، وعمداء كليات، وعمال ونقابات، وائتلافات سياسية وهيئات برلمانية لأحزاب، من محافظات الجمهورية كافة.

لا يخلو الأمر من استعراض النظام لعضلاته، وتأكيده على امتلاك الأوراق كلها، بدءاً من الأجهزة التنفيذية للدولة ونواب البرلمان، مروراً بالنقابات والنوادي الرياضية، ووصولاً إلى الفنانين ووسائل الإعلام. وربما تكون الحملة أيضاً مناورة تدريبية، للتيقن من كفاءة ماكينة الدعاية السياسية، وتليين مفاصلها، قبل انطلاق الحملة الانتخابية. ولا يترك النظام، الذي يبدو عازماً على تحييد أي مرشح يتمتع ولو بالقليل من المصداقية، أي مساحة للصُّدف. فالدرس الذي تعلمته النخبة الحاكمة اليوم من سقوط مبارك، صاحب عبارة "خليهم يتسلوا" الشهيرة، أن قليلاً من التساهل النابع ربما من ثقة في النفس، قد ينتهي بعواقب فادحة. فيخوض النظام كل معركة بوصفها الأخيرة، وبكل أسلحته. ويرى في خصومه، مع هامشية تأثيرهم، تهديداً وجودياً، لا بديل من استئصاله بالكامل.

لا تبغي الحملة ومَن يقف خلفها، حتى التظاهر بأن هناك منافسة انتخابية، ولو صُورية. فغير أن عنوانها ليس موجهاً إلى الجمهور في الأساس، بل إلى "أنتَ" الضمير المستتر في "تِبنيها"، وأنت وحدك بالطبع، لا نحن جميعاً، فإن "هي" المضمرة تبدو كياناً مستقلاً عن "الجمعية العمومية للشعب" التي تنص الاستمارة على عضوية موقعيها فيها. فمنطق "نموت نموت، وتحيا مصر"، كان شعار النظام منذ يومه الأول، وإن كان نصفه الأول مستتراً. وبعيداً من البلاغة الفقيرة لشعار الحملة، وخيالها الإسمنتي المتسق تماماً مع مفهوم النظام عن الإنجاز بوصفه المزيد من المشاريع الإنشائية والكثير من الحفر والردم، فإن الحملة لا تدّعي تأييد ترشيح الرئيس، ولا دعمه في الانتخابات، بل تتوسله لخوضها. فالأمر كما صرح البرلماني، أحمد أبو علم، بأنه "حملة لرد الجميل للرئيس".

لا يحتاج السيسي برنامجاً انتخابياً، ولا وعوداً. فكما جاء في المرة الأولى بتفويض، برر له أن يغضب حين سئل عن برنامجه الانتخابي: "برنامج إيه.. مش كنتوا تقولوا قبل ما أسيب الجيش"، فإنه هذه المرة أيضاً سيأتي بعرفان الشعب، وقبوله هو له. ستنجح الحملة بلا شك، في افتتاح مئات الفروع، وجمع ملايين التوقيعات، وغالباً في إقناع الرئيس نفسه بالاستجابة إلى مطالبها. لكن دلالات الصلف والاستخفاف، الزاعقة في كل تفصيل من تفاصيل الحملة وأخبارها، ربما لها أن تأتي بنتائج على غير ما ابتغى أصحابها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها