الأحد 2017/01/22

آخر تحديث: 00:28 (بيروت)

أبو تريكة.. تحت السيطرة

الأحد 2017/01/22
increase حجم الخط decrease
"هل عجزت الدولة المصرية، طوال ثلاث سنوات، عن إدانة أو تبرئة اللاعب محمد أبو تريكة؟ هل من المعقول، طوال هذه السنوات، أن تُطلق اتهامات الإرهاب ضد لاعب بقيمة أبو تريكة، يكرّم في أنحاء العالم، من دون تقديم دليل إدانة؟ هل عجز القانون في مصر عن الحسم: هل أبو تريكة مذنب يموّل الإرهاب فعلاً، أم بريء غير مذنب فنكرّمه ونعتذر منه؟

الأسئلة الاستنكارية السابقة لم يتلفظ بها أحد نشطاء المعارضة المصرية، بل طرحها تامر أمين، أحد أقرب الإعلاميين إلى الحكم المصري وأشدّهم تأييداً له. يطرح أمين أسئلته ثم يردفها بأن يقترح على أبو تريكة أن يضع تبرعا مالياً، "حتى لو ألف جنيه" في صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأته الرئاسة المصرية بهدف دعم "المشروعات القومية"، معتبراً أن أبو تريكة لو نفّذ ذلك الاقتراح "سيخرس كل الألسنة، ويثبت دعمه للبلد".

اقتراح التبرع شابه قصة الدبّة التي آذت صاحبها، والصاحب هنا هو الحكومة، وليس أبو تريكة. فقد خلق إيحاءً بأن ما يتعرض له تريكة هو نوع من الابتزاز السياسي-المالي، وأضفى ظلالاً شبيهة على تبرع نجم الكرة محمد صلاح قبل أيام، ببضعة ملايين من الجنيهات للصندوق الرئاسي نفسه. بدا الاقتراح تارة "نصيحة" من تامر أمين لـ"صديقه" أبو تريكة، وتارة أخرى كرسالة غير مباشرة. إلا أنه، في كل الأحوال، بقيت لأسئلة أمين المتلاحقة الاستنكارية أهميتها: هل من المعقول أن الدولة عجزت طوال ثلاث سنوات عن إثبات أو نفي تهمة أبو تريكة بتمويل الإرهاب (أو على وجه الدقة اتهامه بتمويل نشاطات إخوانية عبر شركة سياحية يشارك تريكة في ملكيتها)؟

والواقع أنه يصعب تصديق ذلك العجز الرسمي عن الإثبات أو النفي، خصوصاً أن الاتهام موجّه إلى نجم معروف عالمياً، وهو ليس شخصاً مجهولاً ذائباً في الزحام القاهري أو هارباً في الصحراء الغربية. كما أن "الوضع في قوائم الإرهاب" قد يكون فعلاً مفهوماً ودارجاً في تصرفات الدول تجاه منظمات تعمل خارج حدودها، حيث لا تطاولها قوانينها. أما أن تضع الدولة مواطناً، يعيش فيها، في قائمة الإرهاب، ثم تتركه طليقاً لسنوات، يمارس عمله ويظهر في الإعلام ويحلل المباريات، وكأنه على قائمة حجز الحج والعمرة، لا الإرهاب، فإن هذا ما يثير الحيرة تجاه جدّية الاتهام، أو يستلزم التأكد مما إذا كانت الدولة تقصد "الإرهاب" نفسه الذي نعرفه، أم شيئاً آخر.

غير أن أبو تريكة ليس وحده في "القضية"، وليس وحده في حالة "التجميد" تلك والتي تتجاوز تجميد أموال "المتهم" إلى تجميد وضعه القانوني، وحصار مستقبله بين إدانة لا تأتي وبراءة لا تظهر. فمعظم النشطاء والحقوقيين، بل ونقيب الصحافيين نفسه، وغيرهم من الفاعلين في المجال العام المصري، هم اليوم تحت طائلة قضايا مماثلة. اتهامات فضفاضة بكلمات كبرى، وجلسات محاكم تلو الجلسات، وتحفُّظ على أموال، ومنع من السفر. شهور وسنوات من النيابات والمحاكم والدفوع والطعون والاستئنافات ودفع الكفالات. اتهامات بلا أوراق، وأوراق بلا أدلة، وحبس احتياطي ونهائي، ثم عفو، ثم حبس آخر، ثم خروج، ثم مراقبة. وهم، مثل أبو تريكة، جميعاً يعملون تحت الضوء، لكنهم يُحاكمون باتهامات المؤامرة ليبقوا أطول وقت ممكن بلا إدانة أو تبرئة. وكأن ثمة شخصاً ما في مكان ما، قد فكّر في إنه إذا لم تستطع أن تسيطر عليهم، فاشغلهم بالدفاع عن أنفسهم، فهكذا فقط، لن يستطيعوا الدفاع عن غيرهم.

فهل ينفذ أبو تريكة إذًا اقتراح أمين، ويضع تبرعاً في صندوق "تحيا مصر"؟ مشكلة الاقتراح إنه يتنافى مع الوضع القانوني للاعب الكبير، إذ من المفترض أن أمواله حالياً "تحت التحفظ". ولكي يستخدمها للتبرع، لابد من إلغاء التحفظ أولاً. فإذا ألغي التحفظ، لماذا يتبرع؟ إنها الدائرة العبثية التي لا تكف منذ سنوات عن إنتاج الضجيج بدلاً من الطحن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب