الإثنين 2017/01/16

آخر تحديث: 18:59 (بيروت)

موسكو:الأستانة لا تتحمل ثلاثة

الإثنين 2017/01/16
increase حجم الخط decrease

تحت عنوان " في المعارضة السورية يرحبون بعملية عسكرية روسيية برية " تحدثت وكالة إنترفاكس الرسمية يوم الجمعة المنصرم في 13 الجاري عن وفد للمعارضة السورية يزور موسكو . ونقلت عن رئيس الوفد ، الجنرال السابق في القوات المسلحة السورية مصطفى الشيخ ، تصريحاً دعا فيه "القوات المسلحة الروسية إلى دخول سوريا ، إلى كل زاوية في سوريا ، ونحن مستعدون لاستقبالها ، إذا كانت ستدخل لإقامة السلام في بلدنا". وقد جاء كلام الجنرال الشيخ في معرض رده على سؤال من قبل الصحافيين عن إمكانية حصول عملية برية روسية في سوريا .

وتقول الوكالة ، أن الشيخ ذكَّر بأن "الوحدات الشيشانية سبق أن شاركت في عمليات مختلفة ، ولا سيما ، في تحرير حلب" . ونقلت عنه قوله " لكنني مقتنع ، مع ذلك ، أن روسيا ليست (دولة) إحتلال" .

من جانب آخر كانت صحيفة  "novaia gazeta" المعارضة قد نشرت الخميس الماضي في  12 الجاري تحقيقاً قالت فيه ، أنها قد عثرت على وثائق "تؤكد إعداد العسكريين الروس للمشاركة في عملية عسكرية برية في سوريا" . والوثائق عبارة عن كتيبين صغيرين في إرشادات السلوك ، الذي ينبغي أن يتبعه العسكري في سوريا . وقد تم توزيعهما على العسكريين في الفيلق 46 للمهمات العملانية التابع للحرس الوطني الروسي . ويقول المصدر العسكري ، الذي أرسل للصحيفة هذين الكتيبين وتكتم على ذكر اسمه ، بأنهم يعدون العسكريين الشيشان من هذا الفيلق " لمهمة في سوريا" .

ويبدو من خلال هذا "التسريب" من قبل عسكري إلى صحيفة معارضة ، ومن خلال تصريح الجنرال السوري "المعارض" ، أن روسيا بصدد الإعلان رسمياً عن وجودها العسكري على الأرض في سوريا ، وليس في الجو فحسب . فنهج التكتم الرسمي على المشاركة الفعلية لقواتها على الأرض في سوريا ، على غرار ما  اتبعته في شرق أوكرانيا ، تضطر الآن لتغييره على أبواب مؤتمر الأستانة لتقاسم حصص النفوذ في سوريا مع شركائها الألداء ، إيران وتركيا . فقد كانت تشكو روسيا خلال الفترة الماضية من أن إيران والمنظمات الشيعية الحليفة لها ، وكذلك الجيش النظامي السوري ، يصورون المشاركة الروسية في النزاع السوري بأنها تكاد تقتصر على توفير الغطاء الجوي لمعاركهم ، التي يحددونها هم على الأرض . وقد دأبت أجهزة الإعلام الروسية خلال الأشهر الأخيرة على توجيه الإنتقادات اللاذعة ، في كثير من الأحيان ، إلى حلفائها في الحرب السورية ، وتشير ، بالتفصيل، إلى أوجه القصور ، الذي يبديه هؤلاء في المعارك على الأرض ، وتذكرهم بأنهم لا يخوضون معركة "قبل ان يروا في الجو "نسراً معدنياً يحمل نجمة حمراء على هيكله".

وسواء عُقد مؤتمر أستانة أم لم يعقد في موعده ، وسواء نجح في وقف العمليات العسكرية في كل الأراضي السورية أم لم ينجح ،  إلا أن من الواضح لروسيا ، كما للجميع ، أن المقتلة السورية دخلت مرحلة جديدة تحتم على روسيا سلوكاً مختلفاً مع حلفائها . فقد أعلنت روسيا في الأيام الأخيرة عن حلف ثنائي مع تركيا ضد ايران ، وتذكر في الآن عينه ، بأن تاريخ علاقاتها مع تركيا هو تاريخ حروب متواصلة بلغ عددها 12 حرباً ، على قول صحيفة "Kommersant" الروسية.

فقد كتبت هذه الصحيفة  المستقلة في 10 الشهر الجاري مقالة تحت عنوان "الأستانة لا تتحمل ثلاثة" تقول فيها ، بأن اللاعبين الإقليميين الثلاثة ، روسيا وتركيا وإيران ، قد ثبتوا لأنفسهم الدور الريادي في تحديد مستقبل سوريا . لكن بعد الإعلان عن الهدنة على الجبهة السورية ، تشكل داخل المثلث المذكور "تحالف ثنائي روسي ــــــ تركي" . وبالنسبة لموسكو ، حسب الصحيفة ، فإن التحالف مع أنقرة يكتسب أهمية أساسية ، إذ يسمح بحل عدة مهمات في آن : " عدم التنازل للغرب عن المبادرة في التسوية السورية ، إضافة إلى الحد من دور إيران ، الذي تتمثل مهمته في الحصول ، نتيجة للمفاوضات في استانة ، على ضمانة للمحافظة على سلطة بشار الأسد إلى أجل غير مسمى " .

وبعد أن تعدد الصحيفة  الصعوبات الكامنة في مواقف الأطراف المختلفة المشاركة في لقاء الأستانة من بعضها البعض ، تسخر من اتهام الرئيس السوري  لأردوغان "بانتهاك الديموقراطية ، وبأنه زج معتقلين سياسيين في السجون ، أكثر مما فعلت الدول العربية مجتمعة" . وتقول ، بأن العملية المشتركة بين روسيا وتركيا في مدينة الباب تهدد بتوسيع التمايز داخل مثلث موسكوـــ أنقرة ــــ طهران . ولم تتخلَ طهران عن موقفها السابق في اتهام تركيا بعدم شرعية تواجد جيشها على الأراضي السورية ، على "العكس من فصائل حزب الله الشيعي ، حليف طهران" .

وفي السياق عينه كتب موقع "svobodnaia pressa" الروسي المتشدد في 15 الشهر الجاري مقالة تحت عنوان "طهران ضد تحالف روسيا مع أنقرة" يقول فيها ، بأن إيران قلقة من التقارب بين روسيا وتركيا .

وينقل الموقع عن الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط سيرغي بالماسوف قوله ، بأن التقارب بين روسيا وتركيا في المسالة السورية هو "سيناريو سلبي فعلياً ، بالنسبة لإيران ". ويشير هذا الخبير إلى أن القيادة العسكرية ـــ السياسية الروسية ، وبوساطة الممثلين الأتراك ، قد بدأت في الوقت الراهن العمل مع " المعارضة السورية المسلحة الحقيقية ، وليس مع الدمى من دمشق واللاذقية " . ومن المنطقي ، برايه ، أن تعمد روسيا مع تركيا إلى تقسيم جبهة المعارضة ، وإلا فإن القتال ضد الجميع دون تمييز "يمكنه أن يفضي إلى السقوط". ألا أن هذا الأمر يثير ردة فعل سلبية من جانب إيران ، التي تمثل الحرب في سوريا ، بالنسبة لها ، حرباً مع كل العالم السني ، عملياً ، وليس مع مع المملكة العربية السعودية فقط ، كما يرغبون في تصوير الأمرعادة .

ويقول بالماسوف ، أنه إذا ما أخذنا بالإعتبار ، أن الصراع السوري ينظرون اليه في العالم الإسلامي الآن على أنه صراع إيران الشيعية ضد البلدان السنية ، فإن لدى موسكو القليل من نقاط التقارب مع طهران . ويقول ، بأنه لا يجدر بنا أن نبني أوهاماً بأن إيران هي حليف استراتيجي لنا . وروسيا تتعاون معها في سوريا حالياً ، إلا أن الروس  سوف يبقون ، بالنسبة للإيرانيين ، "أعداء بفعل تاريخ العلاقات في ما بيننا وتضارب المصالح في مناطق أخرى ، في القفقاز الجنوبي والشمالي جزئياً وفي آسيا الوسطى".

اما المتخصص في شؤون صراعات الشرق الأوسط كيريل سيميونوف ، فينقل عنه الموقع المذكور قوله ، أنه إثر التدخل الروسي في الصراع السوري ، زادت إيران كثيراً من عديد " الفيلق الشيعي" ، وأخذت تفكر جدياً بأنها سوف تتمكن ، بمساعدة روسيا ، من تحقيق "مقاربتها غير الواقعية" ، المتمثلة في استعادة سوريا كاملة مع تعزيز مواقعها في البلاد ، ومن دون أية تغييرات في بنية السلطة السورية ، حتى في المستقبل . إن ميزان القوى الراهن لا يسمح بتمرير مخططات إيران هذه ، بل ينبغي  ، كحد أدنى ، الإعتراف بوجود مجتمع متمرد في إدلب ومنطقة احتلال تركي عازلة .

ويقول سيميونوف ، بأنه يعتقد أنهم قد فهموا في موسكو وإن متأخرين، أن مواصلة السياسة السورية في السياق الإيراني ، سوف تفضي إلى أن يعيد العالم السني النظر في علاقاته بروسيا ويبدأ بالنظر إليها كما إلى إيران . ولهذه الغاية بالذات جرى عقد الهدنات ، التي تجلت فيها بوضوح التناقضات الروسية ـــ الإيرانية، على قول الخبير المذكور.

يقال ، أن دخول الحرب ليس بالأمر السهل ، لكن الخروج منها هو أصعب بما لا يقاس . لقد دخلت روسيا المقتلة السورية وحددت مدة هذا التدخل ببضعة أشهر. وحين أعلن بوتين في آذار العام المنصرم عن "الإنسحاب" الجزئي من سوريا ، قال بأن الأهداف الرئيسية من العملية قد "تحققت بشكل عام". وها هي السنة الثانية على الإنخراط الروسي في الحرب السورية قد بدأت ، ولم يتحقق لروسيا حتى الآن سوى "صراعات معلنة" مع بعض حلفاء الأمس و"صراعات خفية" مع بعضهم الآخر ، واحتدام الصراع مع الغرب حتى الذروة ، بدلاً من مصالحته إثر أوكرانيا . وكان الكرملين يعتقد أنه سيبقى يحارب في سماء سوريا ، وها هو يمهد للنزول إلى الأرض السورية والغوص في مستنقعات مقتلتها.







increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها