الثلاثاء 2016/06/28

آخر تحديث: 07:57 (بيروت)

لماذا ننتقد حزب الله؟!

الثلاثاء 2016/06/28
increase حجم الخط decrease
حتى الآن، ثمة محاباة في الكثير من النقد الذي يُوجّه إلى حزب الله، بعضها اللبناني يمكن فهمه على قاعدة الحرج أو الخوف، وبعضها غير اللبناني يصعب فهمه إلا على قاعدة الحرج الشخصي لأصحابه، إذ يتخيل هؤلاء أنهم كانوا يوماً في الخندق ذاته مع الحزب أو سيده، واليوم انحرف الحزب عن الخندق المزعوم. لا بد أيضاً من تذكر المكانة الوجدانية التي ينالها كل من يطلق النار على إسرائيل، بصرف النظر عن المشروع الذي ينطلق منه، وأيضاً من دون التساؤل عن الكيفية التي يصبح فيها تنظيم ما هو المالك الحصري لمقاولة المقاومة، مع التمتع بامتيازات مالية وتسليحية تتواضع أمامها ميزانيات جيوش نظامية.

بالطبع ليست الغاية مما سبق إغلاق باب النقد، أو حصره في منحى محدد، غير أن ما ينبغي الانتباه إليه جيداً هو مغادرة الحزب ذلك التموضع الذي يُنتقد عليه، وأن الحزب يتقدم حثيثاً على منتقديه. على سبيل المثال، سيكون من الماضي اليوم انتقاد الحزب على تدخله في سوريا وتفنيد حججه المتعلقة بحماية المقامات الشيعية، بينما يعلن سيده امتداد معركته على نية التدخل في العراق، وربما البحرين قريباً. استطراداً، سيكون من السذاجة توهم عودة الحزب من سوريا، أو من أية ساحة أخرى، إلا ربطاً بالأجندة الإيرانية.

بهذا المعنى، لبنان بأكمله لم يعد سوى مجرد قاعدة خلفية لحزب عابر للحدود، وتحصين لبنان هو تحصين لهذه القاعدة تحديداً، وقبل تحصين سلمه الأهلي الذي انتُهك عملياً مع موجة الاغتيالات التي بدأت باغتيال الرئيس الحريري. هنا أيضاً سيكون من الخطأ عدم رؤية تلك الاغتيالات كعمل تأسيسي، تحققت غايته بالسيطرة على الدولة اللبنانية مع امتصاص الهَبّة التي أعقبت اغتيال الحريري، أي أن مشروع الهيمنة الإيراني كان سبّاقاً على موجة الثورات العربية، وكان محتماً للأخيرة الاصطدام به وبأدواته في أكثر من مكان.

إيرانية الحزب، بمعنى إيرانية تمويله وتسليحه وأجنداته، أمر لا يحتاج براهين مع تبرع أمينه العام بتقديمها، على سبيل التفاخر أو النكاية أو الاثنين معاً. وهذا أيضاً نوع من النقد فات أوانه، وبخاصة فات أوان رهاناته، فلا توضيح ذلك يحرج قيادات الحزب، ولا يفاجئ قاعدته الشعبية التي يعرف قسم منها من الخبايا أكثر مما يعرفها غيره. بل تكاد لبنانية الحزب أن تكون أمراً اخترعه خصومه على أمل توريطه بها، مع عدم كفاية القول بلبنانية أنصاره ما لم تنعكس فعلاً على أجنداته السياسية، وعلى أفق نشاطه الذي لم يكن محلياً حتى في أي من المراحل السابقة، أي حتى في المراحل التي لم يكن واضحاً فيها ما يعنيه الطريق المتعرج الطويل إلى القدس.

على صعيد أكثر جوهرية، يبدو الحزب سبّاقاً في وضع الصراع مع خصومه في مكانه الواقعي، فقادته حسموا طبيعة الصراع بأنه صراع قوة وصراع وجود، وأن كل ما يُقال في السياسة والنقد لا يعدو كونه ثرثرة لا تشغلهم عن جهادهم المقدس. في أكثر من مناسبة كان الحزب واضحاً في أنه لن يقدّم في السياسة ما لا يستطيع الآخرون انتزاعه في الحرب، وفي أكثر من مناسبة تحدى خصومه أن يلاقوه في الميدان، وفي الميدان السوري إذا شاؤوا. وإذا كان من وجه حق في عدم انجرار أطراف لبنانية إلى مواجهة يريدها الحزب فهذا لا يغيّر ميزان القوى الحالي، ولا يغيّر من حقيقة عجزها عن زحزحته بالاعتراض السياسي اللفظي.
ملخص ما تعلنه قيادة الحزب: من يراهن على خروجنا عن طوع المرشد فقد خاب ظنه، ومن يراهن على تحطيمنا فنحن جاهزون لملاقاته. أمام هذا الطرح، والعجز اللبناني المقابل له، ليس هناك حقاً مناص من التعويل على السلوك الانتحاري للحزب نفسه، بمعنى أن يؤدي تدخله في سوريا وغيرها إلى تحطيم نواته الصلبة الإيرانية، وأن يتيح هذا التحطم إمكانية الانقضاض عليها من قاعدتها، أو إمكانية اندثار دولة الحزب نهائياً. وسيكون ضرورياً، وخلافاً لقسم كبير من النقد الشائع، الانتباه إلى أن مصير الحزب لا يقبل تلك التصورات "المخملية" التي تفترض حلولاً تعود بالحزب إلى الداخل بلا تبعات، وتجعله حزباً لبنانياً أسوة بغيره من الأحزاب. على الأقل مثل هذه التصورات يتغافل عن حقيقة أنه الحزب اللبناني الوحيد الذي نشط عسكرياً خارج الحدود، وهذا ما يرتّب آثاراً مختلفة تماماً عن قواعد الاشتباك الأهلي اللبناني.
على هذا الصعيد يُسجل لخطاب نصر الله الأخير، في ذكرى أربعين القيادي مصطفى بدر الدين، وضوحه أكثر من أي وقت مضى في ما خص تمويله ومرجعيته وقائمة معاركه المقبلة. ففي هذا الخطاب إغلاق لباب العديد من الانتقادات، أو دفعها لتصب في مكانها السليم، لا ضمن ذلك الالتباس الذي تفترضه مهمة الحزب وتقع فيه نيابة عن الحزب نفسه. وفيه أيضاً إغلاق لباب النقد الذي يتوهم توعية الحاضنة الشعبية للحزب، فزعيم الحزب تولى شخصياً توضيح حقيقة سياساته، بل تولى تهيئة جمهوره لمعركة طويلة وشرسة سيضحي فيها بالكثير من مقاتليه.

لكن سيكون من المبالغة أيضاً امتداح شفافية الحزب في ما خص تمويله وسياساته، فالقول بأن تلك الشفافية تحسم أي التباس يعني تحصين الحزب من الجدل وجعله فقط في موقع العدو أو الحليف. وبما أن الحزب برع في صناعة أعدائه، فأغلب الظن أنه صار بلا نقّاد، مثلما تنظيم داعش خارج النقد أيضاً.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها