الإثنين 2016/05/30

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

صحافيون لايت لإعلام رشيق

الإثنين 2016/05/30
increase حجم الخط decrease
قبل يومين، قرأ عشرات الصحافيين نبأ إدراجهم على قائمة الصرف من صحيفة "السفير"، ونية الأخيرة تعويضهم بمبلغ ضئيل يضمن نقاء رأسمالها. أكد هذا الخبر، نيّة الجريدة طي صفحة الورقي، والانتقال نهائياً إلى الإلكتروني، وهو مصير ينتظر منافستها "النهار" التي تُكمل التحول بخطى متسارعة لكن من دون ضجة اعلامية. و"النهار" شرعت باكراً في التركيز على أخبار الجنس والمنوعات الخفيفة، والتخفف من صحافييها الأساسيين أو وقف رواتبهم بانتظار الصرف أو الاستقالة.

والقيمون على هذه المؤسسات يُبررون التحول، تقنياً، وبعلاقته بتحولات المهنة في العالم قبل لبنان. والحال أن شبكة الانترنت فرضت تحولاً هائلاً في الإعلام، وأطاحت احتكارات عمالقة في التلفزيون والورقي، وفتحت الباب أمام ناشرين شباب لا يملكون سوى جهاز كومبيوتر. لكن هناك نقاشاً في العالم حول نوعية المحتوى ومهنيته، يُقابله استثمار متزايد من مؤسسات خيرية في الصحافة الاستقصائية باعتبارها أساسية للمصلحة العامة. لهذا قررت "مؤسسة ماك أرثر" الخيرية العملاقة في الولايات المتحدة، تخصيص 25 مليون دولار لدعم "الصحافة المعمقة والدقيقة" من أجل تعزيز ثقافة المحاسبة، ولكي "يؤدي الأميركيون دورهم كمواطنين". كما أن المؤسسات التقليدية لم تنته، بل يشهد الاعلام الالكتروني عودة إلى الصحافة الجدية، كما حصل مع "باز فيد" التي استقطبت أبرز الصحافيين السياسيين والاستقصائيين لإضفاء جدية إلى صورتها وتحقيق تأثير في الشأن العام. وهناك موقع "بوليتيكو" السياسي الصاعد في الولايات المتحدة وأوروبا رغم تجنبه المواضيع الخفيفة الجاذبة للقراء.

إلا أن أخبار الجنس والفضائح الشخصية تحصد عدداً أكبر من القراء بطبيعة الحال. لكن هل يعني ذلك أن يتحول إعلامنا بأسره إما إلى صحافة أحزاب، أو إلى مواقع الكترونية متخصصة في الأخبار السريعة والخفيفة؟ لا يحتاج مثل هذا الإعلام إلى صحافيين متخصصين، بل إلى إداريين ناقلين للخبر وغالباً ناسخين له من مواقع أخرى. وهذه وظيفة تُشبه في خصائصها ما يؤديه صحافيو المصادر في نقلهم ما يريد المسؤولون نشره من تسريبات مفيدة. وهؤلاء الصحافيون مفيدون للمؤسسات مالياً، لناحية مساهمات المسؤولين الداعمين لهم فيها، وقد يكون وجودهم أكثر ربحاً وفائدة من أي عائدات محتملة لقراء أخبار الجنس، لا سيما أن الاعلانات الالكترونية لا تكفي لتشغيل مؤسسة.

قطاع الاعلانات الالكترونية في لبنان أصغر من أن يُبرر هذا الانتقال المتعمد، ما يجعل السبب الأساسي له مرتبطاً بالقدرات المالية للطبقة السياسية. ولهذا، فإن ما يعصف بمهنة الصحافة اللبنانية، ليس بعيداً من أزمات أقطاب السلطة التي تجلّت أخيراً في تحالفاتهم الغرائبية ضد قوائم المستقلين في الانتخابات البلدية. لتراجع هذه الصحافة، ارتباط وثيق بالرغبة في التخفف من أصوات مُستقلة أو مُغايرة تلطت يوماً وراء مؤسسة تدعي أن فيها "ديكاً يصيح" أو "صوتاً لمن لا صوت له". ورغم أن القائمة الأخيرة للمصروفين المحتملين من "السفير" تضم أقلاماً حزبية، يُرجح أنها ستعود لمصادرها الأساسية، أي إعلام أحزاب السلطة، لتبقى الكتلة المستقلة وحدها خارج سوق العمل وسط غياب لافت لنقابة المحررين.

وآخر ما نشره موقع نقابة المحررين كان كلمة بعنوان "الحق في الوصول إلى المعلومات في لبنان"، ألقتها إحدى أعضائه في مؤتمر عربي، تطرح أسئلة مُبطنة فيه عن استعداد الشعوب العربية (واللبناني بطبيعة الحال) لمثل هذا الحق: "هل نحن كمجتمعات وشعوب عربية مهيئون ومؤهلون لممارسة هذا الحق وتقبل نتائجه؟ … وأختم بطرح بعض الافكار للتأمل وللنقاش: الحصول على أية معلومة، ومن أي نظام؟ ولأية شعوب؟".

ولأننا، وفقاً لهذا المنطق، شعب لا يستحق معلومة بل أخباراً جنسية أو سياسية تُسرّبها مكونات السلطة وزعاماتها، لم تعد هناك حاجة لصحافيين، وبالتأكيد تنتفي أي حاجة إلى نقابة تشيح بنظرها بعيداً عن إبادة من تدّعي تمثيلهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها