الجمعة 2016/04/29

آخر تحديث: 07:58 (بيروت)

لا برامج لبيروت بل صفقات عقارية

الجمعة 2016/04/29
increase حجم الخط decrease

بعيد إعلان لائحة “وحدة بيروت” للانتخابات البلدية في بيروت عام ٢٠١٠، أجابت إحدى المرشحات على سؤال لصحيفة “المستقبل” عن “البرنامج”، بأنه “سيكون استمراراً لما بدأته البلدية السابقة”. هكذا، وبكل بساطة، مُدد برنامج بلدية العاصمة لست سنوات إضافية أُنفقت خلالها مئات ملايين الدولارات سنوياً. عام ٢٠١٠، لم يكن هناك عنوان خدماتي، تتطلبه الانتخابات المحلية عادة، بل جاء على لسان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، كلام سياسي تقليدي يرتكز على إرث والده، لا برنامجَ إنمائياً مدروساً بكلفته وتطابقها مع أرقام الموازنات المرتقبة. 

خاطب الحريري الإبن المرشحين بأن إعلانهم “لائحة وحدة بيروت من قريطم من بيت الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، يشي بأن “هذا البيت هو بيتكم، وبيت كل بيروت ووحدة بيروت”. وفي هذه الوحدة، قصد الحريري التزاماً بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والمحاصصة الكاملة بين كل الأحزاب السياسية الرئيسية، وهي معادلة سياسية بيروتية أطلقها والده إبان عهد الوصاية السورية، ولا تزال قائمة الى اليوم. 

وتجاوز الحريري البرنامج الانمائي للبلدية حينها، مرده، كما جاء في صحيفة “المستقبل”، الثقة بأن "أهل بيروت سيصوّتون بكثافة للائحة”، ذلك “لأنهم أوفياء لمدينتهم وللرئيس الشهيد وللمبادئ التي أرساها”. يقتضي مثل هذا الوفاء عدم التساؤل أو التشكيك، أو ربما - لا سمح الله - طلب برنامج إنمائي لعاصمة تقطن فيها وفي ضواحيها غالبية السكان.

لكن في استحقاق الشهر المقبل فارقاً رئيسياً: قائمة كاملة تُنافس لائحة “البيارتة”، وتسحب بساط الإجماع الحزبي من تحتها. ولهذه المنافسة فائدة غير مرتبطة بالفوز في الانتخابات، إذ ليس مستبعداً أن يكون أول نجاحات “بيروت مدينتي”، دفع قائمة “المستقبل” وأحزاب الحرب اللبنانية إلى وضع برنامج لها، رغم هزاله، مقارنة بما طرحته الأولى. إذ ماذا يعني كلام رئيس “لائحة البيارتة” عن “تأمين خدمة طوارئ صحية لأهالي بيروت على مدار الساعة”؟ هل تتحول البلدية الى جهاز صحي يستقبل آلافاً من مرضى الطوارئ؟ وماذا يقصد مرشح “المستقبل” بـ”إنشاء مراكز الكترونية حديثة تواكب التطور التكنولوجي”؟ ما نوعها وكم عددها، وأين إنتشارها؟ وما وظيفتها وكلفتها؟ وكيف ستواكب التطور؟  

وبرنامج المرشح لرئاسة البلدية جمال عيتاني فيه أيضاً حديث عن “بناء ملاعب رياضية في مختلف أنحاء بيروت” الخالية تقريباً من أي “مساحات” يتطلبها مثل هذا المشروع. هل ستُدمر البلدية مباني أو تستملك أراضي، وبأي كلفة؟ 

لا أجوبة على هذه الأسئلة، بل تكرار لتصريحات الحريري في الانتخابات الماضية، وكأنه يستعيدها من أرشيف عام ٢٠١٠. خلال إطلاق القائمة مطلع هذا الأسبوع، قال الحريري إنها “لائحة المناصفة الحقيقية التي نادى بها دوماً الرئيس الشهيد رفيق الحريري … سننزل إن شاء الله في ٨ أيار لننتخبها، لكي نكرس لبيروت مناصفتها ووحدتها، كما أرادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري”. 

وإذا كانت البلدية الحالية استمراراً للسابقة، والمقبلة كذلك، ألا يتطلب هذا الإعلان الصريح مُساءلة أو حتى مراجعة أو نقداً ذاتياً لما حققه المجلس البلدي الحالي على صعيد إنماء العاصمة؟ جُل ما نسمعه عن البلدية ٰالحالية، تسريبات إعلامية عن صفقة بيع شاطئ الرملة البيضاء وأرباح قياسية حققها أحد ورثة الحريري ورجل الأعمال وسام عاشور، على حساب خزينة البلدية. من الطبيعي التحقيق في مثل هذه القضية، أو بأقل الأحوال رد الشبهات فيها أمام الناخبين. أليس هناك تضارب مصالح بين نفوذ آل الحريري في البلدية، وقرار الاستملاك القياسي (١٢٤ مليون دولار)؟ كيف بيعت الأرض في المقام الأول بسعر ٤٠٠ دولار للمتر، وهي يُفترض أن تكون ملكاً عاماً؟ ومن حدد سعرها الحالي بعشرة أضعاف ما كانت عليه؟

١٢٤ مليون دولار قادرة على تغيير الكثير في العاصمة اللبنانية، من إعادة تأهيل شبكة الترام، ولو جزئياً، علماً أن الدولة تواصل دفع رواتب موظفيها، إلى توفير الانترنت السريع في ساحات عامة. لكن ذلك غير مطلوب الآن. شكل القائمة وحصصها أهم من مضمونها وبرنامجها. أما الانتخابات، فهي فولكلور يخلو من برامج جدية وأفكار، ومملوءة بشكليات وشعارات فضفاضة قديمة، ومحاصصة أثبتت أنها لا تحفظ سلماً أهلياً، بل تصنع توافقاً على تمرير الصفقات، وبعضها، كالرملة البيضاء، مُربح جداً جداً.  

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها