الأحد 2016/12/04

آخر تحديث: 18:29 (بيروت)

قراءة في مفاوضات أنقرة

الأحد 2016/12/04
increase حجم الخط decrease

يستحيل فك الروس عن الإيرانيين ونظام الأسد، لا في حلب، ولا في عموم سوريا.تلك قد تكون النتيجة المرّة التي سيحصدها مفاوضون سوريون، ومن ورائهم الأتراك، في مفاوضات أنقرة بخصوص الوضع في حلب.
لم يُجزم بعد بفشل تلك المفاوضات، لكن المؤشرات الأولى تُوحي بذلك. فالتعريجة الروسية الأخيرة التي تطلب التفاوض مع واشنطن تحديداً، بخصوص تطبيع الوضع في حلب، وتطلب مغادرة جميع مقاتلي المعارضة للمدينة، وتسليمها فعلياً لنظام الأسد، تؤكد حقيقتين، الأولى، رهان روسيا في سوريا، بالدرجة الأولى، هو الوصول إلى تفاهمات مع واشنطن تجعل الروس شركاء دوليين جديرين بالشراكة الندّية مع الدولة الأولى في العالم، حتى الآن.

أما الحقيقة الثانية، فهي عجز روسيا عن اتخاذ تدابير منفردة في سوريا، من دون موافقة الإيرانيين ونظام الأسد.

مثلث التحالف الروسي – الإيراني – الأسدي، في سوريا، يصعب فكاكه لأسباب عديدة، أبرزها، الحاجة الملحة لدى الأطراف الثلاثة، لبعضهم، كي يكون بالإمكان تحقيق غايات كل طرف، بحدودها الدنيا على الأقل.

على الأرض، يبدو الإيراني صاحب اليد العليا، الأبرز، ومن دونه، لا جدوى للقوة الجوية الروسية في حماية نظام الأسد. وفي الجو، تنعكس المعادلة، إذ لا جدوى عسكرية للوجود الإيراني، من دون الغطاء الجوي الروسي الفعّال، بعد تهالك الغطاء الجوي الأسدي.

وبالمثل، لا معنى للطرفين من دون شريك محلّي، يحتاجهم، ويحتاجونه، كي يكون رافعة محلية، تحظى بحاضنة اجتماعية مقبولة، لتطبيع وجودهم، وتقنينه، وجعله مستقراً في المستقبل. هذا الشريك هو نظام الأسد.

لا يجد الإيرانيون حتى الآن شريكاً محلياً أفضل من الأسد، ويمنحهم ما يمنحهم إياه، من حاضنة مُلحقة به، ومن نفوذ محلي ميداني، ومؤسساتي. كذلك، هم الروس، لا يجدون بديلاً أفضل من الأسد.

ورغم النفوذ الميداني، وربما أيضاً الاجتماعي المتفاقم، للإيرانيين في سوريا، لا يبدو أن طهران في وارد المغامرة بمستقبل نفوذها في سوريا، عبر التفكير ببديل عن شخص الأسد ذاته، والدائرة المحيطة به، والتي تمسك برأس السلطة في نظام سياسي هرمي، قد ينهار بانهيار قمته.

وبطبيعة الحال، لم يكن من الممكن لنظام الأسد أن يبقى حتى الساعة، من دون الدعم الإيراني، ومن ثم، الروسي.

الثلاثة يحتاجون بعضهم، كي يحققوا أهدافهم في سوريا، والثلاثة لا يجدون بدائل أفضل. لا يعني ذلك أن لا خلافات في الأجندات والأولويات بينهم. بكل تأكيد هناك خلافات، وهي ليست بسيطة. لكن غايات كل طرف منهم ألزمتهم بترتيب حلول وسط لخلافاتهم البينية، التي يندر أن تظهر على العلن.

لطالما راهن معارضون سوريون على استقطاب روسيا. لكن كل محاولاتهم التي تكررت مراراً على مدى سنوات الأزمة، تؤكد استحالة ذلك الاستقطاب مع ثبات المعادلات التي تحكم المشهد السوري.

حتى بعد الدخول التركي على خط محاولات الاستقطاب تلك، لا يبدو أن أنقرة قادرة على اختراق حالة الالتصاق المتينة بين ثلاثي الأسد – إيران – روسيا.

في سنوات ما بعد العام 2006، وما قبل ثورة العام 2011، ساد في بعض الدوائر الأمريكية والغربية، نظرية مفادها، محاولة فك "سوريا الأسد" عن التحالف مع إيران، عبر الإغراء. انفتحت دول غربية عديدة، من بينها الولايات المتحدة نفسها، على نظام الأسد، بعيد أزمة اغتيال الحريري. ودخلت دول خليجية على خط ذلك الانفتاح. وتسارعت وتيرة ذلك الانفتاح في بدايات عهد باراك أوباما، قبل اندلاع الثورة عام 2011. لكن كل تلك المحاولات لفك نظام الأسد عن إيران، باءت بالفشل. وأكدت التجارب العملية أن تحالفهما أمتن مما يظن المراقب عن بُعد.

في الحالة الروسية – الإيرانية، يدرك جميع المراقبين أن ما بين الحليفين، العديد من ملفات الخلاف غير المعلن. لكن ملفات أكثر إلحاحاً ومصيرية، تجبر الطرفين على ترحيل تلك الخلافات، أو تطبيعها مع الوقت، عبر حلول وسط، وعبر قبول لا يخلو من الامتعاض، من جانب كل طرف، لأولويات الطرف الآخر.

لكن، لا يعني ما سبق، عبثية محاولات فتح قنوات التفاوض أو النقاش من جانب معارضين سوريين مع روسيا، بل على العكس، يجب ذلك. يجب فتح قنوات تواصل دائمة مع الروس، لأنه في حال انقلاب بعض المعادلات الحاكمة للمشهد السوري، ربما يمكن الرهان على تحقيق اختراقات في كسر التحالف الروسي – الإيراني في سوريا.

وما دام لا توجد أثمان سياسية غير مبررة لقنوات الحوار والتفاوض تلك، فلا ضرر فيها على الإطلاق.

أما ما هي المعادلات التي قد تؤثر في التحالف الروسي – الإيراني في سوريا؟،.. هي كثيرة، قد يكون المُتاح منها في يد المعارضة السورية، أن تتوحد في كيان ميداني واحد، بقيادة مشتركة متماسكة، تستطيع تحقيق مكاسب عسكرية نوعية ضد النظام. حينها قد يكون إغراء استثمار التفاوض والحوار معها، عالياً، في نظر صانع القرار الروسي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها