الأربعاء 2016/12/14

آخر تحديث: 06:54 (بيروت)

عن رزان التي لايغيبها النسيان

الأربعاء 2016/12/14
increase حجم الخط decrease

لم تكن الاستاذة  رزان زيتونة مجرد ناشطة حقوقية بل كانت صاحبة رؤى سياسية واجتماعية تدعو الى العدالة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن العرق والدين والمذهب والجنس، وترى ضرورة احداث تغيير سياسي يفتح على اقامة نظام ديمقراطي باعتباره ممرا اجباريا لتحقيق العدالة والمساواة المنشودين، ناهيك عن كونها محرّضة سياسية تدعو الى الوقوف في وجه القمع والعسف والتمييز، وتتحرك على أكثر من صعيد، سياسي وحقوقي واجتماعي، من أجل اشاعة روح ايجابية بين المواطنين والترويج لتبني مواقف من قضايا التغيير والمساهمة على طريق تحقيقها عبر الممارسة العملية المتواصلة.

بدأت رزان نشاطها الحقوقي قبيل حصولها على درجة الأستاذية وانخراطها في سلك المحاماة عبر متابعة قضايا المعتقلين وأسرهم، كانت تتابع أخبار الاعتقالات والمحاكمات وتجمع المعلومات عن المعتقلين وسبب اعتقالهم ومحاكمتهم، تلتقي بذويهم توثق الواقعة وتقدمها للمنظمات الحقوقية العربية والدولية، خطوة الهدف منها تقييد عنف السلطة وحماية المعتقلين من العسف وهدر الحقوق، وهذا كان يتطلب التواجد أمام محكمة "أمن الدولة العليا"، سيئة الصيت، لجمع أسماء المعتقلين ومعرفة سبب اعتقالهم والتعرّف الى ذويهم والتواصل معهم لمعرفة تطورات القضية، وتقديم المساعدة، كون معظم ذوي المعتقلين ليست لهم معرفة بالقوانين وأصول المحاكمات، وقد أضافت الى نشاطها هذا، بعد حصولها على إجازة المحاماة، بندا جديدا: التطوع للدفاع عن المعتقلين أمام القضاء. تدافع عنهم بغض النظر عن مواقفهم الفكرية وانتماءاتهم التنظيمية، بهدف توفير شروط محاكة عادلة، وكان من بين أدواتها لتحقيق ذلك إدخال الضوابط الدولية في متن الدفاع بحيث يكون للقوانين الدولية أولوية على القوانين المحلية التي صيغت دون اعتبار لحقوق الإنسان.

حفّز انطلاق ثورات الربيع العربي الشباب السوري، منهم رزان ووائل وناظم وسميرة، وحرّك في دواخلهم نداء الحرية التي طال انتظارها فبدؤوا بالتحرك لملاقاة رياح التغيير والانخراط فيها عبر دفع مطلب الحرية الى الصدارة والتذكير بها كسبب كاف لتحرك ميداني سلمي على أمل تحرير البلاد والعباد من نير الاستبداد والقمع المديد.

وقد فرض بدء التظاهرات الشعبية وتوسعها وامتدادها الى معظم المحافظات السورية ورد النظام العنيف واستخدامه القوة المفرطة الحاجة الى تنظيم عمليات التظاهر والتغطية الإعلامية وإغاثة المصابين ومساعدة ذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين وكانت مساهمة رزان الرئيسة المشاركة في تشكيل "لجان التنسيق المحلية"، أداة تنظيمية لمواجهة هذه الاستحقاقات، ونقل خبرتها في رصد الانتهاكات الى الناشطين الجدد.

ازدادت وتيرة القمع ما اضطر ناشطي التنسيقيات الى توزيع العمل بينهم ليحميهم من الاعتقال السهل مع تحقيق الجدوى والفعالية، وكان دور رزان ضمن هذا التوزيع رصد الانتهاكات وتوثيقها وإرسالها الى المنظمات العربية والدولية، ما استدعى تخفيها وانتقالها من حي الى آخر ومن منزل الى آخر في احياء مدينة دمشق، ولما ضاقت فرص التخفي، بسبب فرض النظام الحصول على موافقة أمنية عند تسجيل عقود الإيجار، انتقلت الى بلدة دوما، بلدة تعرفها لان زوجها وائل من سكانها، التي كانت تحت سيطرة فصائل مسلحة "معارضة"، لكنها لم تحظ  بقبول هذه الفصائل التي ساءها قيام رزان برصد تجاوزاتها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتحريضها المواطنين على العمل وفق قناعاتهم وعدم الخضوع للاكراه الذي تمارسه هذه الفصائل مستغلة امساكها بالاغاثة والخدمات الطبية، وطرحها مبادرات إنتاجية، مثل النساء الآن، تحررهم من الارتباط بهذه القوى النافذة، فجرى تهديدها ومطالبتها بمغادرة البلدة وإلا(؟!!).

لم تكتف الجهة الخاطفة بجريمتها ونكران قيامها بها(أعلن قائد "جيش الإسلام"، الجهة المتهمة بالوقوف وراء عملية الاختطاف، زهران علوش عن تذمره من تكرار السؤال عن مصير رزان زيتونة متسائلا: لماذا لا تسألون عن نساء المسلمين المعتقلات لدى النظام، وكأن ليس ثمة فرق بين الحالتين) بل ذهبت بعيدا في إجرامها بإصدار بيان باسم جهة مجهولة أطلقت على نفسها اسم "العسل الأسود" تبنت فيه عملية الخطف مدعية أنها قامت به لان المختطفين يبشرون بالمسيحية بين سكان البلدة وجوارها، علما إن ليس بين المختطفين الأربع من يدين بالمسيحية. وكانت الطامة الكبرى ليس عدم اهتمام مؤسسات المعارضة السياسية بقضية المختطفين وتجاهلهم لتبعاتها السياسية والميدانية، لاعتبارات تتعلق بالقوى الاقليمية الداعمة للجهة المتهمة بعملية الخطف، بل تطوّع بعض شخصياتها للإدلاء بتصريحات تسيء الى المختطفين وتحط من مكانتهم وقدرهم وتخفف من خطورة ظاهرة خطف ناشطين من قبل جهات تدعي أنها جزء من ثورة الحرية والكرامة، حيث زعم أحدهم، يوصف بشيخ الحقوقيين، أن الخطف جرى على خلفية "عدم احترام المختطفين لتقاليد الوسط الذي نزلوا به"، في إشارة الى سفور رزان وسميرة، بينما زعم آخر ان الخطف تم على خلفية "خلافات مالية" داخل "لجان التنسيق المحلية".

ثلاث سنوات مرت على جريمة الاختطاف، ثلاث سنوات طويلة ومريرة، عمّق مرارتها تراجع الوجه السلمي والمدني للثورة وهيمنة الرايات السود على سمائها، وما فعله اتباع هذه الرايات بالمواطنين والثورة، لكنها، ورغم المرارة والألم، لم تنجح في محو صورة رزان، ورفاقها وائل وناظم وسميرة، من ذاكرة المواطنين الذين احتكوا بها او عرفوا شيئا عن نشاطها وتضحيتها تجسد بتسمية كثيرين مواليدهم من الاناث على اسمها: رزان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب