السبت 2016/12/10

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

اللي يقدر على ربنا

السبت 2016/12/10
increase حجم الخط decrease
تقصر مدة السنة الهجرية عن نظيرتها الميلادية بأحد عشر يوماً، لذا فقد صودف أن الرئيس المصري ألقى خطاب "المولد النبوي" مرتين في عام ميلادي واحد، في اليوم الأول من العام 2015 وفي الأسبوع الأخير فيه، وبإضافة خطابه "المولديّ" الأخير، في الثامن من ديسمبر الجاري، يكون الرئيس -في منتصف عامه الثالث في الحكم- قد تكلم في ذكرى ميلاد رسول الإٍسلام ثلاث مرات. وتختار خُطب الرئيس في تلك المناسبة – حصرياً وسنوياً- موضوع "التجديد الديني والفقهي".

وعلى الرغم من أن موضوع الخطاب يبدو متوافقاً مع المناسبة، إلا أن ثمة تناقضاً يظهر بعد برهة من التأمل: فكون الرئيس لا يطالب بذلك التجديد سوى عبر مناسبة هي دينية الطابع، وفي قلب محفل رسمي يضم موظفي الدولة، جنباً إلى جنب مع ممثلي الأزهر، فذلك يعني أن "الثورة الدينية" التي يحتاجها الإسلام، وهو تعبير استخدمه الرئيس في أول خطاباته الثلاثة في ذكرى المولد، لم يكن سوى كلام إنشائي أو- باستحضار حسن النية- كلام حالم. فالثورة - لا سيما الفكرية - لا تنبع من داخل أروقة هيئات الدولة وموظفيها، كما إنها لا يمكن أن تخرج من المؤسسة الدينية التقليدية الأم، بل ضد أفكارها ينبغي أن تندلع تلك "الثورة" المفترضة.

والمناسبة الدينية تلك، وهي إجازة رسمية أيضاً (كأنها رمز لتحالف الدولة والدين)، لا تسمح بـ"النظر إلى الدين من خارجه". كما طالب السيسي أيضاً في خطبته الأولى، التي اعتبر فيها أن في الثقافة الإٍسلامية "نصوصاً تعادي الدنيا كلها"، وهو كلام بدا جريئاً، أثار آنذاك حماسة "مجددين" وعلمانيين، تحمسوّا وصدقوا واجتهدوا، فانتهى الحال ببعضهم إلى السجن، أو جلسوا في انتظاره.

أما الرئيس، في خطبته الثالثة، فقد بدا بعيداً من تلك الجرأة الأولى، وعاد إلى خطاب الدولة التقليدي عن ضرورة "العودة إلى جوهر الإسلام"، وهي "ضرورة" ينادي بها الجميع، المعتدلون والمتطرفون والرسميّون. هي ضرورة مستحيلة لأنها -ككل المفاهيم- تتجسد في كل عقل بصورة مختلفة. غير أن العبارة الأخطر للرئيس، في واحدة من "تجليّاته" الخطابية المعهودة، بعدما قال إن عملنا "يرضي ربنا"، حين أضاف: "واللي يقدر على ربنا يقدر علينا".

هي عبارة غريبة التكوين. لو قالها قائل عادي لوجد بلاغات تتهمه بازدراء الأديان ولأدخلته الزنزانة التي خرج منها للتوّ إسلام بحيري، ولوقف قبلها "المتهم" في المحكمة يشرح إنها عبارة بلاغية لا أكثر، أو نوع من المنطق الصُوري، يوضحه ويكمله التضاد المستتر "ولأن أحداً لن يقدر على ربنا، فإن أحداً لن يقدر علينا".

غير أن تكوين اللغة ليس الأهم هنا. الأهم هو أن الرئيس تكلم وهو يعتبر أن "ربنا" إلى جانبه بالضرورة، أليست تلك هي عين المشكلة مع الإسلاميين؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب