الأربعاء 2016/11/30

آخر تحديث: 06:56 (بيروت)

مؤتمر للمعارضة في دمشق؟!

الأربعاء 2016/11/30
increase حجم الخط decrease

ليست الدعوة التي أطلقتها "هيئة التنسيق الوطنية" لعقد مؤتمر للمعارضة في دمشق، ومطالبتها بضمانات روسية، إلا محاولة لكسر حالة الاستعصاء، وإعادة الحياة للحل السياسي، تتعارض مع معطيات الواقع الراهن الذي يؤشر الى حسم النظام وداعميه الروس والايرانيين لخيارهم وتبنيهم للحل العسكري وسعيهم المحموم لوضع المعارضة، السياسية والمسلحة، أمام أحد خيارين: الهزيمة او الاستسلام، ما يعني طي صفحة الثورة ومطالبها في الحرية والكرامة حيث ينطوي الخيار الثاني(الاستسلام) على القبول بصيغة الحل المطروحة القائمة على تشكيل حكومة موسّعة ومنح المعارضة دورا هامشيا في النظام عبر تسلمها عددا من المقاعد الوزارية الثانوية، ما يجعلها دعوة مجانية وخطرة.

لا تكمن خطورة "الدعوة" الى عقد مؤتمر للمعارضة في دمشق(تصفه "الهيئة" بمؤتمر الإنقاذ 2 وتعتبره استكمالا لمؤتمر الإنقاذ 1، الذي ساهمت في عقده عام 2012 برعاية روسية صينية إيرانية، دون أن تقف أمام محصلة المؤتمر الأول و"الإنقاذ" الذي حققه) في الجهة التي أطلقتها أو في المحددات السياسية والعملية التي أعلنتها، لكن تكمن في تعارضها مع عاملين يحكمان المشهد السياسي السوري حاليا، أول ويتمثل في اللحظة السياسية، فالدعوة تزامنت وتقاطعت مع توجه روسي إيراني، والنظام بالضرورة، للحسم العسكري مقرونا بسعيهما للإجهاز على "الهيئة العليا للمفاوضات" عبر خلق كيانات سياسية تجعل من الأخيرة كيانا بين كيانات متنافسة بحيث تختلط الاوراق وتضيع المكاسب التي تحققت بولادة "الهيئة" العتيدة والمتمثلة في: وحدة معظم المعارضات في كيان سياسي واحد، وحصولها على اعتراف دولي كمفاوض باسم المعارضة، والثورة السورية بالتالي، والاستقبال الاقليمي والدولي الايجابي لتصورها للحل السياسي الذي قدمته تحت عنوان "الإطار التنفيذي للعملية السياسية وفق بيان جنيف". وأما العامل الثاني فيتمثل في خريطة القوى المدعوة للمشاركة في المؤتمر العتيد(قيل أن عددها عشرة بينها تفاهمات سابقة)، حيث ضمت أسماء شخصيات وكيانات سياسية من منصات القاهرة وموسكو ومجموعة قرطبة وتيار الغد وتيار قمح، بالإضافة الى الهيئة ذاتها وتشكيلات سياسية صغيرة نشأت في العامين الأخيرين بايحاء وتشجيع من النظام، ما يجعل فرصة الاتفاق على المحددات السياسية التي أعلنتها "الهيئة" شبه مستحيل، وهذا سيثير أسئلة كثيرة حول فرص نجاح اللجنة التحضيرية، التي ستتشكل من مندوبي الكيانات السياسية المدعوة للمشاركة والتي من مهامها الاتفاق على وثيقة سياسية ستعرضها الهيئة عليها، في الاتفاق على المحددات السياسية، وحول طبيعة الحل الوسط الذي سينتج عن الحوار بين مندوبي هذه القوى، وما اذا كان يخدم فكرة هيئة التنسيق القائلة بفرز المعارضة الحقيقية عن المعارضة الموالية، وفق تصريح المنسق العام للهيئة حسن عبدالعظيم في حديثه لجريدة الحياة اللندنية، من جهة، وقبول الكيانات العشرة بخيار الانتقال السياسي وإسقاط نظام الاستبداد بكل رموزه من جهة ثانية، وأمكانية الاتفاق على المحددات السياسية التي جاءت في نص الدعوة، والتي تشكل أساسا لرؤيتها للحل السياسي من جهة ثالثة. هذا دون ان ننسى التباينات داخل الجهة الداعية ذاتها إن على صعيد طبيعة الكيان الذي سيتشكل أو الاسم الذي سيطلق عليه(ثمة ثلاثة تسميات مقترحة من قبل أعضاء المكتب التنفيذي: جبهة القوى الديمقراطية، الجبهة الديمقراطية، تحالف القوى الديمقراطية)، الموقف من الكيانات المزمع دعوتها، حيث ثمة خلاف حول دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي) أو من تأثير الدعوة على علاقتها مع "الهيئة العليا للمفاوضات"، في ضوء تباين تقويم أعضاء المكتب التنفيذي للأخيرة ودورها وواقعها الراهن، ومع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. وقد جاء رد فعل النظام سلبيا على مستويين برفضه السماح بعقد المؤتمر في دمشق، ودفعه كيانات سياسية موالية، تصف نفسها بالمعارضة، لعقد مؤتمر في دمشق واعلان تشكيل "منصة دمشق" في مواجهة المنصات التي ماتزال تنادي بالتغيير والدخول في مرحلة انتقالية لصياغة نظام بديل للنظام القائم. وهذا دليل أضافي على رفض النظام لمبدأ المفاوضات والحل السياسي للصراع خارج شروطه التي تقضي باستسلام المعارضة والتخلي عن أي مطلب ينطوي على شبهة تغيير. وقد كان لافتا ان موسكو التي تحمّست لفكرة عقد مؤتمر للمعارضة في دمشق، لانه يخدم استراتيجيتها في سوريا، لم تقف خلف الفكرة وتضغط على النظام لقبولها وتحفظ قدري جميل، رجلها داخل المعارضة، على الفكرة بذريعة ضرورة الاتفاق على الحضور والوثائق ومكان المؤتمر وزمانه ونتائجه و"اشتراطه أن يفتح الطريق لاستكمال مسيرة جنيف وتنفيذ القرار 2254".   

لقد وُجّه للفكرة نقد غير منطقي أو موضوعي من قبل جهات معارضة ينطلق من اعتبار الدعوة فكرة روسية كلفت "الهيئة" بالدعوة إليها، واعتبارها محاولة لخلق بديل "للهيئة العليا للمفاوضات". وهذا ليس صحيحا لان الدعوة من بنات أفكار "الهيئة" التي تريد لعب دور رئيس في مسار المعارضة من جهة، والفكرة ليست مدخلا لتشكيل بديل "للهيئة العليا للمفاوضات" لأنها تنظر إليها باعتبارها كيانا تفاوضيا غير سياسي من جهة ثانية، ولان ثمة خلفية اديولوجية للفكرة ترتبط بالتقاطع الفكري والسياسي بين مكونات "الهيئة" والنظام الذي ترى فيه نظاما قوميا وتقدميا لولا لوثة الاستبداد التي شوهته وأحدثت خللا داخله ويكفي التخلص من هذه الخصلة كي يعود الى احتلاله موقعه في صف القوى التقدمية دون حاجة الى تغييره أو إسقاطه، ناهيك عن تأثير الدول الراعية والحامية لهذه المكونات على خياراتها وتوجهاتها.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب