الجمعة 2016/11/25

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

ترامب وتحالف الأقليات

الجمعة 2016/11/25
increase حجم الخط decrease

بداية، لا "تحالف أقليّات" في الشرق الأوسط، لكن يُخشى أن تنسجه شعبوية الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالترافق مع تعزيزها الأحزاب الشعبويّة في أوروبا.

في فترات متفاوتة، يندفع فجأة مصطلح "تحالف الأقليّات" إلى النقاش السياسي عربيّاً، ثم يعاود الاختفاء، كأنه شبح مخادع. وتغيب الدلائل فعليّاً عن وجود مثل هذا التحالف، لكن ذلك لا يبدو كافياً كي يغيب النقاش عنه بلا رجعة. وبعدما أوصلت موجة شعبويّة عاتية، المرشح دونالد ترامب، إلى الرئاسة في أميركا، هناك خشية خفيّة من أن تترجم رئاسة ترامب في تجدّد الخيالات والأفكار عن "تحالف أقليات" في الشرق الأوسط، ربما تكون متوافقة مع متغيّرات واسعة غرباً. وبمعنى ما، ربما تتضمّن ترجمة ترامب، العربيّة، عودة مضمرة وخفيّة لـ"تحالف الأقليات" ضمن مسار الاحتجاج على المؤسّسة السياسيّة العربيّة بمعناها الواسع الذي يشمل الدول والسلطات، ومن هم خارجهما أيضاً.

للإنصاف، حاول الرئيس باراك أوباما، خلال ولايتيه، أن يستميل تيارات الاحتجاج الشعبي الواسع على المؤسّسة السياسيّة العربيّة، لكن أموراً كثيرة حالت دون نجاح ذلك التوجّه الذي تحوّل مأخذاً أساسيّاً لترامب على سياسة أوباما في المنطقة العربيّة. وبعد نجاح ترامب، يصعب تصوّر ألاّ تتغيّر المقاربة لذلك التيار الواسع، لكن من المقلق أن يوصل التغيير الأمور إلى شبح "تحالف الأقليات"، مع لفت النظر إلى أن الانهيار الواسع في المنطقة العربيّة يفتح الآفاق دوماً على المجهول.

ترجمة ترامب أوروبيّاً
بعد انتصاره الكاسح أميركيّاً، ظهرت خشية في أوروبا من ترجمة تلك الموجة أوروبيّاً بوصول من يشبه ترامب إلى السلطة فيها، في إيطاليا (بيبي غريو، زعيم حركة "النجوم الخمسة")، والنمسا (نوربرت هوفر، زعيم "حزب الحرية")، وهولندا (غيرت وايلدز، زعيم "حزب الحريّة") وفرنسا (مارين لوبان، زعيمة حزب "الجبهة الوطنيّة") وغيرهم.

والأرجح أن الشعبويّة المعاصرة هي أيضاً حركة شعبيّة واسعة تحتج على فساد وترهل المؤسّسة السياسيّة الغربيّة، خصوصاً مؤسّسة "الحزبين" الكبيرين التي استنزفت معناها وآلياتها الديموقراطيّة. في ذلك المعنى، يندرج ضمن "أشباه ترامب" في أوروبا كل من يستجيب للاحتجاج على المؤسّسة السياسيّة الحاكمة فيها منذ الحرب العالمية الثانية، مثل فرانسوا فيّون، رغم أنه جاء من قلب تلك المؤسّسة، إلا أن خطابه احتجاجي تماماً ضدّها. وفي المعنى عينه، تكون رئيسة الوزراء البريطانيّة، تريزا ماي، من أشباه ترامب، بل حمَلَتها إلى "10 داوننغ ستريت" موجة "بريكست" المحتجّة على المؤسّسة السياسيّة الأوروبيّة وآلياتها الراسخة منذ اتفاقيّات "برايتون وودز" (1944) التي كانت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي المرفوض في "بريكست".

وحتى قبل ترامب، لم يكن بعيداً من تيار الاحتجاج الشعبي على المؤسّسة السياسيّة الغربيّة، وصول حزب "سيريزا" اليساري إلى الحكم في اليونان التي قارنت بين الاتحاد الأوروبي والمشروع الهتلري لتوحيد أوروبا، وكذلك حزب "بوديموس" المشابه لـ"سيريزا" في اسبانيا، الذي يثير مخاوف متنوّعة، خصوصاً مع تصاعد ميل الانفصال في إقليم كاتالونيا. وإذا أضيف إلى ذلك، صعود القطب الروسي في النظام الدولي الجديد، يكون من المستطاع ربط الترامبيّة في أميركا وأوروبا، بوصول رؤساء مؤيّدين لروسيا في مولدافيا وبلغاريا، خصوصاً أن ذلك جرى على خلفية مشكلة المهاجرين، التي يوليها ترامب وأشباهه صدارة خطابهم السياسي.

الأقليات وفشل المؤسسة السياسيّة العربيّة
إذاً، لا يقتصر حال الذائقة الشعبويّة على مجرد وصول الشعبوي ترامب إلى البيت الأبيض، ولا مجرد هتاف "هايل ترامب" مع تحية نازية في اجتماع "معهد السياسة الوطنيّة" في واشنطن. الأرجح أن الترامبيّة في عمقها هي احتجاج شعبي واسع على "فشل ما" غائر في عمق المؤسّسة السياسيّة في الغرب.

في الشرق الأوسط، لا يحتاج أي شخص أن يغمض عينيه ليتذكر، ولا حتى أن يرف جفنه، قبل أن يرمي ألف مليون دليل على فشل المؤسّسة السياسيّة في الدول العربيّة. في طليعة الفشل، تأتي الدولة، خصوصاً فشلها في أن تكون حاضنة لمكوّناتها ومساحة لحلّ التوتّرات والتعارضات والتضاربات في المصالح والتوجّهات بينها. واستطراداً، لا مجال أيضاً للمقارنة بين أداء الدولة الكاريكاتوري- المأساوي عربيّاً، وبين الدولة في الغرب. إذا كان ذلك "فشلاً ما" للمؤسّسة السياسيّة للدولة غرباً، أدى الى الترامبيّة والشعبويّة ومرادفاتها، فإن القياس على ذلك بنسبة فشل المؤسّسة السياسيّة للدولة و"خارجها" عربيّاً، يفترض أن يُنزل الناس إلى الشوارع ليلاً ونهاراً.

يصح القول بوجود روابط شتى بين "الفشلين"، رغم التفاوت بينهما بأرقام فلكيّة، خصوصاً في مسألة الحداثة الغربيّة وعلاقتها "المضطربة" مع المنطقة العربيّة، والتي تتضمن الاستعمار والانتداب وهيمنة وسيطرة وإمبريالـيّة وتحطيم مسارات تاريخيّة، وفرض آليات تحكّم و...و... والقائمة طويلة. ولا يعفي ذلك الشعوب من مسؤوليتها عن نفسها، لكن ذلك نقاش آخر.

في سياق الفشل والانهيار العربي، وصلت العلاقة بين المكوّنات "الحضاريّة"، إلى نقطة تفجُّر صمّامات اجتماعيّة متنوّعة. وتسود خشية أن تندفع إلى المقدمة خيارات مؤذية للجميع. وفي البال صوت وليد جنبلاط داعياً "المكوّن الدرزي" في سوريا إلى عدم معاداة مكوّن الأغلبيّة في الشعب، مع كل التحفّظ على كلمة "أغلبيّة". هناك مشكلة فعليّة ربما يجدر الإقرار بها، وهي أن الحديث عن "أقلية" و"أغلبيّة"، يعني تحوّل المكوّنات الحضاريّة للشعوب العربيّة إلى "أقليات" في الفكر والثقافة والإرادة السياسيّة، فلا تتميّز عن بعضها البعض إلا في العدد! في تلك الحال، لا تعود العلاقة بين تلك المكوّنات سوى مغالبة وقوّة. وبين الأكثر والأقل، يضيع المواطن الفرد كليّاً، خصوصاً في الخطاب السياسي والإرادة السياسيّة الفاعلة.

وهناك ما يقلق فعليّاً في الشرخ الحاصل بين مسيحيي العراق وبقية مكوّناته، بل إن عودة مسيحيي نينوى إلى مستقرهم التاريخي لم تُفهم كحقّ بديهي، بل كانتصار وطني. ويزيد في عمق الشرخ، أن بداية معركة الموصل كانت صورة مشتركة لعمّار الحكيم مع مسعود البارزاني، تشي بعودة "التحالف" الشيعي- الكردي الذي زال مع الاحتلال الأميركي وزوال صدام وسقوط المالكي، لكنه... عاد! ماذا عن مشاعر مسيحيي لبنان حيال عودة مسيحيي نينوى بفضل التحالف الدولي، وتحالف الحكيم- بارزاني؟ كيف ينظر أقباط مصر إلى مصائر مسيحيي نينوى، وهم أقدم تجمّع مسيحي في المشرق العربي خارج الأراضي المسيحيّة المقدّسة في فلسطين؟ ماذا يسري، (أو لا يسري) بين التيار الشعبي المسيحي المؤيّد للرئيس ميشال عون، وبين "حزب الله"؟ ما هي الخيالات التي يحرّكها ترامب في خطابه الحدّي ضد إرهاب "داعش" و"النصرة"، وصولاً إلى تأييده بوتين؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها