الثلاثاء 2016/11/22

آخر تحديث: 20:50 (بيروت)

لبنان: لعنة نظام

الثلاثاء 2016/11/22
increase حجم الخط decrease

الايجابيات التي انطوت عليها "الصفقة" التي سمحت بانتخاب رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشيل عون لرئاسة الجمهورية وتكليف رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري بترؤس الوزارة، منهية حالة شغور رئاسي استمرت حوالي عامين ونصف العام، لم تضع لبنان على طريق الخلاص وتحرره من احتمال تكرار الاستعصاء السياسي والوقوع في مأزق يصعب الفكاك منه، فالبلد بعيد عن استقرار سياسي يعيد للدولة حضورها وهيبتها ويعيد لمؤسساتها فاعليتها في مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتراكمة والمتراكبة.

لم، وأين المشكلة؟.

لا تكمن مشكلة الكيان اللبناني في الاتفاق التأسيسي الذي أنتج النظام اللبناني لما عُرف بدولة لبنان الكبير والذي بُني على محاصصة طائفية فقط بل وفي التحولات التي طرأت عليه خلال العقود التالية لتشكيل الدولة اللبنانية، وخاصة ظاهرة المزاوجة بين المحاصصة الطائفية واحتكار أسر بعينها التحدث باسم هذه الطوائف وتمثيلها في مؤسسات الدولة وتثبيت سيطرة وهيمنة هذه الأسر عبر تأطير أبناء طوائفها في أحزاب سياسية، وهذا انتج نظاما هجينا يقوم على نمطين متناقضين من العلاقات، علاقات على خلفية ولاء أهل طائفي وعلاقات على خلفية ولاء مدني حزبي سياسي، أحزاب تلعب دور الضبط والربط والتوجيه والتحكم بالخيارات وردود الأفعال وقمع التوجهات الحرة والاستقلالية عبر العزل الطائفي والمحاصرة السياسية أو عبر العنف المباشر(يمكن استرجاع وقائع الحرب الأهلية 1975- 1990 وما تلاها من إقتتال وتصفيات جسدية للمخالفين داخل هذه الطوائف) وتوظيف ذلك في ضمان استمرار نفوذ هذه الأسر داخل أطر الدولة وهيمنتها على طوائفها. وهذا استجر ضرورة استمرار الشحن الطائفي وشد عصبه من فترة الى أخرى، وتكريس ظاهرة الاستزلام والارتزاق، والتمييز في معاملة المواطنين في دوائر الدولة وفي الدورة الاقتصادية بحسب انتماءاتهم الدينية والمذهبية وانتشار الوساطات وتفشي المحسوبية والفساد، والبحث عن ظهير خارجي لتدعيم موقف هذه الأسر سياسيا وماليا والاستقواء به في الصراعات الداخلية فغدا الاجتماع اللبناني رهينة حالة تمايز وتحاجز طائفيين، أدت الى تكرار الاستعصاءات السياسية والاقتتال الداخلي ناهيك عن تحول النظام اللبناني الى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية عبر قوى محلية، والى صندوق بريد لتوجيه الرسائل السياسية الى دول المنطقة والعالم. وقد لعبت الحاجة الى تثبيت الحصص دورا في تفجير الحرب الأهلية الأخيرة، وهي الأطول بين انفجارات أهلية عرفتها الدولة اللبنانية، التي دمرت البلد واستنزفت طاقاته البشرية والاقتصادية والمالية(انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية: الدولار من 3.3 ليرة الى 1507 ليرات) وعمقت الانقسام الطائفي وأبقت المراقبة والتدقيق والبحث عن ثغرة في التوازنات الطائفية التي تكشفها النسب السكانية للطوائف تحديدا(كانت مجلة الإيكونومست البريطانية قد  استعادت، في  تقرير لها حول الانتخابات اللبنانية الأخيرة، الامتيازات التي كان يتمتع بها المسيحيون لجهة تمثيلهم البرلماني، قبل اتفاق الطائف، والذي كان محتسباً على أساس إحصاء 1932. وانتهت تلك الامتيازات مع وثيقة الوفاق الوطني التي وزعت المقاعد النيابية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وعرضت أرقاماً حكومية رسمية تظهر الى أي "مدى صار هذا التمثيل غير متوازن"، مشيرة الى أن 37 في المائة من الناخبين هم مسيحيون، بينهم 21 في المائة من الموارنة، لهم 34 مقعداً برلمانيا، و29 في المائة هم من الشيعة لهم27 مقعدا، و28 في المائة من السنة لهم 27 مقعداً. وحذرت من توترات قد يثيرها أي إحصاء جديد في بلد منقسم طائفياً. ونقلت عن النائب وليد جنبلاط قوله إن "إحصاء جديداً قد يخل بترتيب الأمور...إنها مسألة حساسة جداً. نتيجة إحصاء جديد قد تسبب مشاكل عدة وتغضب بعض شرائح المجتمع. التوترات كثيرة أصلاً بين الشيعة والسنّة والمسيحيين. التعداد ليس ما نحتاج إليه في هذا الوقت") للمطالبة بتعديل الحصص(يسعى حزب الله لاعادة النظر في نظام الحصص المعمول به ويعمل على فرض صيغة جديدة تعتمد قاعدة المثالثة: ثلث للمسيحيين وثلث للسنّة وثلث للشيعة كمدخل لزيادة حصة الشيعة) ديدن الأسر والزعامات التي تقود هذه الطوائف.  

هذه البنية والاضافات التي تمت على مر السنين أفرزت حالة تصلب شرايين تحت رعاية وحماية قوى سياسية(احزاب) مركبة على الطوائف تقودها أسر تتوارث قيادة هذه الاحزاب وطوائفها، والتمسك بالمبررات التي اعطتها حق حيازة الامتيازات والاستئثار بالخيرات وقد تجلى التمسك بمبررات الامتيازات بوضوح بالبازار الذي فتح على المقاعد الوزارية في الوزارة العتيدة التي يسعى الحريري الى تشكيلها، وهذا قاد الى تعثر عملية التشكيل، والسعي الى تثبيت الزعامات لمواقعهم وتعزيزها عبر الحصص والوزارات ذات المنافع العامة كي تتيح لهم توزيع بعض منافعها على محازبيهم وابناء طوائفهم.  وقد زاد الطين بلة ان اتفاق الطائف الذي ثبّت الحصص والمواقع القيادية للزعامات الطائفية، الذين وجدوا ان ضعف الحكومة يخدم مصالحهم، منح الرئاسات الثلاثة فرص تعطيل عمل الحكومة ما اشاع ظاهرة الشلل السياسي في الحياة الوطنية الذي كشفت عنه مشكلة النفايات، وجعل الحكومة غير قادرة على توفير الخدمات الاساسية(الماء والكهرباء طوال العقدين والنصف عقد الأخيرة) وغياب برامج التنمية والاستثمارات ما دفع الشباب اللبناني الى ترك بلده والبحث عن بلد يجد فيه فرص عمل وحياة كريمة.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب